الْيُبْسِ لَا يَتَجَدَّدُ لِلْعَيْنِ اسْمٌ آخَرُ بِخِلَافِ الزَّبِيبِ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ شَيْئًا مِنْ الْحُلْوِ، فَأَيُّ شَيْءٍ مِنْ الْحُلْوِ أَكَلَهُ مِنْ خَبِيصٍ أَوْ عَسَلٍ أَوْ سُكَّرٍ أَوْ نَاطِفٍ حَنِثَ، وَالْحُلْوُ اسْمٌ لِكُلِّ شَيْءٍ حُلْوٍ، لَا يَكُونُ مِنْ جِنْسِهِ غَيْرُ حُلْوٍ، وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، وَإِنْ أَكَلَ عِنَبًا أَوْ بِطِّيخًا لَمْ يَحْنَثْ وَإِنْ كَانَ حُلْوًا؛ لِأَنَّ مِنْ جِنْسِهِ حَامِضٌ غَيْرُ حُلْوٍ خُصُوصًا بِأُوزَجَنْدَ وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ خَبِيصًا، فَأَكَلَ مِنْهُ يَابِسًا أَوْ رَطْبًا حَنِثَ؛ لِأَنَّ الرَّطْبَ وَالْيَابِسَ خَبِيصٌ حَقِيقَةً وَعُرْفًا.
وَإِنْ حَلَفَ طَائِعًا أَوْ مُكْرَهًا أَنْ لَا يَأْكُلَ شَيْئًا سَمَّاهُ، فَأُكْرِهَ حَتَّى أَكَلَهُ حَنِثَ؛ وَهَذَا لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يَعْدِمُ الْقَصْدَ، وَلَا يَمْنَعُ عَقْدَ الْيَمِينِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الطَّلَاقِ، وَبَعْدَ انْعِقَادِ الْيَمِينِ شَرْطُ حِنْثِهِ الْأَكْلُ، وَذَلِكَ فِعْلٌ مَحْسُوسٌ، وَلَا يَنْعَدِمُ بِالْإِكْرَاهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ حُصُولَ الشِّبَعِ وَالرَّيِّ بِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ أَكَلَهُ، وَهُوَ مَغْمِيٌّ عَلَيْهِ أَوْ مَجْنُونٌ؛ لِأَنَّ شَرْطَ حِنْثِهِ الْأَكْلُ، وَالْجُنُونُ وَالْإِغْمَاءُ لَا يَعْدِمُ فِعْلَ الْأَكْلِ، وَوُجُوبُ الْكَفَّارَةِ بِالْيَمِينِ لَا بِالْحِنْثِ، وَهُوَ كَانَ صَحِيحًا عِنْدَ الْيَمِينِ، فَيَحْنَثُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ، وَإِنْ أُوجِرَ أَوْ صُبَّ فِي حَلْقِهِ مُكْرَهًا، وَقَدْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُهُ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ، وَهُوَ لَيْسَ بِفَاعِلٍ، بَلْ هُوَ مَفْعُولٌ بِهِ فَلَا يَحْنَثُ، وَلَكِنْ لَوْ شَرِبَ مِنْهُ بَعْدَ هَذَا حَنِثَ؛ لِأَنَّ مَا سَبَقَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي إيجَادِ شَرْطِ الْحِنْثِ، وَلَكِنْ لَا يَرْتَفِعُ الْيَمِينُ بِهِ؛ لِأَنَّ ارْتِفَاعَهَا بِوُجُودِ شَرْطِ الْحِنْثِ.
وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ طَعَامًا سَمَّاهُ، فَمَضَغَهُ حَتَّى دَخَلَ جَوْفَهُ مِنْ مَاؤُهُ، ثُمَّ أَلْقَاهُ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ مَا وَصَلَ إلَى جَوْفِهِ عَيْنُ الطَّعَامِ، وَلَا مَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْمَضْغُ وَالْهَشْمُ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْأَكْلَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِهَذَا.
وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ تَمْرًا، فَأَكَلَ قَسْبًا لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ الْقَسْبَ يَابِسُ الْبُسْرِ، وَلَوْ أَكَلَهُ رَطْبًا لَمْ يَحْنَثْ، فَكَذَلِكَ إذَا أَكَلَهُ يَابِسًا، وَكَذَلِكَ إنْ أَكَلَ بُسْرًا مَطْبُوخًا، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ حَبًّا، فَأَيُّ حَبٍّ أَكَلَ مِنْ سِمْسِمٍ أَوْ غَيْرِهِ حَنِثَ؛ لِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْحَبِّ مِمَّا يَأْكُلُهُ النَّاسُ، فَهُوَ دَاخِلٌ فِي يَمِينِهِ بِاعْتِبَارِ الْعَادَةِ، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ شَيْئًا بِعَيْنِهِ، فَيَكُونُ عَلَى مَا نَوَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَكُلُّ شَيْءٍ يُؤْكَلُ وَيُشْرَبُ كَالسَّوِيقِ وَالْعَسَلِ وَاللَّبَنِ، فَإِنْ عَقَدَ الْيَمِينَ عَلَى أَكْلِهِ، لَمْ يَحْنَثْ بِشُرْبِهِ، وَإِنْ عَقَدَ عَلَى شُرْبِهِ لَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِهِ؛ لِأَنَّهُمَا فِعْلَانِ مُخْتَلِفَانِ، وَإِنْ كَانَ الْمَحِلُّ وَاحِدًا، وَشَرْطُ حِنْثِهِ الْفِعْلُ دُونَ الْمَحِلِّ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ خُبْزًا، فَأَكَلَ خُبْزَ حِنْطَةٍ أَوْ شَعِيرٍ حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ خُبْزٌ حَقِيقَةً وَعُرْفًا، وَإِنْ أَكَلَ مِنْ خُبْزِ غَيْرِهِمَا لَمْ يَحْنَثْ، إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى خُبْزًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute