للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَصْلِ فَإِقْرَارُهُ بِذَلِكَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَاذِبٌ فِيمَا أَقَرَّ بِهِ، فَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ قَبُولَ بَيِّنَتِهِ عَلَى مَا يَدَّعِيهِ مِنْ النِّكَاحِ، وَالرِّقِّ بَعْدَ ذَلِكَ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا هَازِلًا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فِيمَا بَيْنَهُ، وَبَيْنَ رَبِّهِ، وَلَوْ أَقَرَّ بِهِ طَائِعًا، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ كَاذِبٌ فِيمَا قَالَ وَسِعَهُ إمْسَاكُ الْمَرْأَةِ، وَالْعَبْدِ فِيمَا بَيْنَهُ، وَبَيْنَ رَبِّهِ بِخِلَافِ الْإِنْشَاءِ، فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ يَقَعُ الْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْفُصُولِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[بَابٌ مِنْ الْإِكْرَاهِ عَلَى النِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالْعِتْقِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ.]

(قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) وَلَوْ أَنَّ رَجِلًا أُكْرِهَ بِوَعِيدِ تَلَفٍ حَتَّى خَلَعَ امْرَأَتَهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَمَهْرُهَا الَّذِي تَزَوَّجَهَا عَلَيْهِ أَرْبَعَةُ آلَافٍ، وَقَدْ دَخَلَ بِهَا، وَالْمَرْأَةُ غَيْرُ مُكْرَهَةٍ، فَالْخُلْعُ، وَاقِعٌ؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ مِنْ جَانِبِ الزَّوْجِ طَلَاقٌ، وَالْإِكْرَاهُ لَا يَمْنَعُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ بِغَيْرِ جُعْلٍ، فَكَذَلِكَ بِالْجُعْلِ، وَلِلزَّوْجِ عَلَى امْرَأَتِهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّهَا قَدْ الْتَزَمَتْ الْأَلْفَ طَائِعَةً بِإِزَاءِ مَا سَلَّمَ لَهَا مِنْ الْبَيْنُونَةِ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُكْرِهِ لِلزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ عَلَيْهِ مِلْكَ النِّكَاحِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا قِيمَةَ لِمِلْكِ النِّكَاحِ عِنْدَ الْخُرُوجِ مِنْ مِلْكِ الزَّوْجِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ، فَلَا يَكُونُ مَضْمُونًا بِالْمَالِ أَصْلًا بَلْ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى الصِّيَانَةِ، وَالْمَضْمُونُ الْمَحَلُّ الْمَمْلُوكُ لَا الْمِلْكُ الْوَارِدُ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا جَازَ إزَالَةُ الْمِلْكِ بِغَيْرِ شُهُودٍ، وَلَا عِوَضٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ أُكْرِهَ، وَلِيُّ الْعَمْدِ عَلَى أَنْ يُصَالِحَ مِنْهُ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ، فَالْإِكْرَاهُ لَا يَمْنَعُ إسْقَاطَ الْقَوَدِ بِالْعَفْوِ، فَكَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ إسْقَاطَهُ بِالصُّلْحِ، وَلَا شَيْءَ لَهُ سِوَى الْأَلْفِ عَلَى الَّذِي كَانَ قِبَلَهُ الدَّمُ، وَلَا شَيْءَ لِصَاحِبِ الدَّمِ عَلَى الَّذِي أَكْرَهَهُ؛ لِأَنَّ الْقَاتِلَ مَا الْتَزَمَ الزِّيَادَةَ عَلَى الْأَلْفِ، وَالْمُكْرِهُ أَتْلَفَ عَلَيْهِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ، وَهُوَ مِلْكُ اسْتِيفَاءِ الْقَوَدِ، وَهَذَا مِلْكٌ غَيْرُ مَضْمُونٍ بِالْعَفْوِ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ شَرْعًا، وَبِهِ، فَارَقَ النَّفْسَ، فَإِنَّهَا مَضْمُونَةٌ بِالْمَالِ عِنْدَ الْإِتْلَافِ خَطَأً صِيَانَةً لَهَا عَنْ الْإِهْدَارِ.

وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يَعْتِقَ عَبْدَهُ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ، وَقَبِلَهُ الْعَبْدُ، وَقِيمَتُهُ أَلْفٌ، وَالْعَبْدُ غَيْرُ مُكْرَهٍ، فَالْعِتْقُ جَائِزٌ عَلَى الْمِائَةِ؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ إسْقَاطِ الرِّقِّ بِالْعِتْقِ، وَالْعَبْدُ الْتَزَمَ الْمِائَةَ طَوْعًا، ثُمَّ يُتَخَيَّرُ مَوْلَى الْعَبْدِ، فَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الَّذِي أَكْرَهَهُ قِيمَةَ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ عَلَيْهِ مِلْكَهُ فِي الْعَبْدِ بِالْإِكْرَاهِ الْمُلْجِئِ، وَمِلْكُهُ فِي الْعَبْدِ مِلْكُ مَالٍ مُتَقَوِّمٍ، فَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَى الْمُتْلِفِ بِخِلَافِ مَا سَبَقَ، ثُمَّ يَرْجِعُ الْمُكْرَهُ عَلَى الْعَبْدِ بِمِائَةٍ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى أَقَامَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ حِينَ ضَمَّنَهُ الْقِيمَةَ فِي الرُّجُوعِ عَلَى الْعَبْدِ بِالْمُسَمَّى، وَإِنْ شَاءَ الْمَوْلَى أَخَذَ الْعَبْدَ بِالْمِائَةِ، وَرَجَعَ عَلَى الْمُكْرَهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>