للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِتِسْعِمِائَةٍ تَمَامَ الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الْمُسَمَّى مِنْ الْمَالِيَّةِ أَتْلَفَهُ الْمُكْرِهُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ.

فَإِنْ قِيلَ: لِمَاذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِجَمِيعِ الْأَلْفِ عَلَى الْمُكْرَهِ، وَقَدْ أَتْلَف عَلَيْهِ مِقْدَارَ الْمِائَةِ بِعِوَضٍ قُلْنَا؛ لِأَنَّ هَذَا الْعِوَضَ فِي ذِمَّةِ مُفْلِسِهِ، فَإِنَّ الْعَبْدَ يَخْرُجُ مِنْ مِلْكِ الْمَوْلَى، وَلَا شَيْءَ لَهُ، فَهُوَ كَالتَّاوِي، فَإِنْ قِيلَ: لِمَاذَا لَمْ يُجْعَلْ اخْتِيَارُهُ لِلْمُسَمَّى إبْرَاءً مِنْهُ لِلْمُكْرِهِ قُلْنَا فِي مِقْدَارِ الْمِائَةِ يُجْعَلُ هَكَذَا؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهَا عَلَى أَيِّهِمَا شَاءَ، فَأَمَّا فِي الزِّيَادَةِ عَلَى ذَلِكَ، فَحَقُّهُ مُتَعَيِّنٌ فِي ذِمَّةِ الْمُكْرِهِ، وَلَوْ كَانَ أَكْرَهَهُ عَلَى الْعِتْقِ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ إلَى سَنَةٍ، وَقِيمَتُهُ أَلْفٌ، فَالْمَوْلَى بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُكْرِهَ قِيمَةَ عَبْدِهِ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ عَلَيْهِ مَالِيَّتَهُ بِبَدَلٍ لَا يَصِلُ إلَيْهِ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ الْأَجَلِ، وَإِنْ شَاءَ أَتْبَعَ الْعَبْدَ بِالْأَلْفَيْنِ بَعْدَ مُضِيِّ السَّنَةِ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ ذَلِكَ طَوْعًا، فَإِنْ اخْتَارَ تَضْمِينَ الْمُكْرِهِ قَامَ الْمُكْرِهُ مَقَامَ الْمَوْلَى فِي الرُّجُوعِ عَلَى الْعَبْدِ بِالْمُسَمَّى عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ، فَإِذَا أَخَذَ ذَلِكَ مِنْهُ أَمْسَكَ أَلْفًا مِقْدَارَ مَا غَرِمَ، وَتَصَدَّقَ بِالْفَضْلِ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ لَهُ بِكَسْبٍ خَبِيثٍ، وَإِنْ اخْتَارَ إتْبَاعَ الْعَبْدِ، فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى الْمُكْرِهِ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ رَاضِيًا بِمَا صَنَعَ حِينَ اخْتَارَ إتْبَاعَ الْعَبْدِ، فَإِنْ كَانَ الْأَلْفَانِ نُجُومًا، فَحَلَّ نَجْمٌ مِنْهَا، فَطَلَبَ الْمَوْلَى الْعَبْدَ بِذَلِكَ النَّجْمِ بِغَيْرِ إكْرَاهٍ، فَهَذَا مِنْهُ اخْتِيَارٌ لِإِتْبَاعِ الْعَبْدِ، وَلَا ضَمَانَ لَهُ عَلَى الْمُكْرِهِ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مُطَالَبَتَهُ إيَّاهُ بِذَلِكَ النَّجْمِ دَلِيلُ الرِّضَا مِنْهُ بِمَا سَبَقَ، فَيَكُونُ كَالتَّصْرِيحِ بِالرِّضَا، وَذَلِكَ يُسْقِطُ حَقَّهُ فِي تَضْمِينِ الْمُكْرِهِ.

وَلَوْ أُكْرِهَتْ امْرَأَةٌ بِوَعِيدِ تَلَفٍ، أَوْ حَبْسٍ حَتَّى تَقْبَلَ مِنْ زَوْجِهَا تَطْلِيقَةً عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فَقَبِلَتْ ذَلِكَ مِنْهُ، وَقَدْ دَخَلَ بِهَا، وَمَهْرُهَا الَّذِي تَزَوَّجَهَا عَلَيْهِ أَرْبَعَةُ آلَافٍ أَوْ خَمْسُمِائَةٍ، فَالطَّلَاقُ رَجْعِيٌّ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْتِزَامَ الْبَدَلِ يَعْتَمِدُ تَمَامَ الرِّضَا، وَبِالْإِكْرَاهِ يَنْعَدِمُ الرِّضَا سَوَاءٌ كَانَ الْإِكْرَاهُ بِحَبْسٍ، أَوْ بِقَتْلٍ، وَلَكِنَّ وُقُوعَ الطَّلَاقِ يَعْتَمِدُ وُجُودَ الْقَبُولِ لَا وُجُودَ الْمَقْبُولِ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ الصَّغِيرَةَ عَلَى مَالٍ فَقَبِلَتْ وَقَعَ الطَّلَاقُ، وَلَمْ يَجِبْ الْمَالُ، وَبِسَبَبِ الْإِكْرَاهِ لَا يَنْعَدِمُ الْقَبُولُ، فَلِهَذَا كَانَ الطَّلَاقُ وَاقِعًا، ثُمَّ الْوَاقِعُ بِصَرِيحِ اللَّفْظِ يَكُونُ رَجْعِيًّا إذَا لَمْ يَجِبْ الْعِوَضُ بِمُقَابَلَتِهِ، وَهُنَا لَا عِوَضَ عَلَيْهِ، فَكَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا، وَقَدْ ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إذَا شَرَطَتْ الْخِيَارَ لِنَفْسِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الطَّلَاقِ بِمَالٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ مَا لَمْ يَسْقُطْ الْخِيَارُ وَعِنْدَهُمَا الطَّلَاقُ وَاقِعٌ، وَالْمَالُ لَازِمٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ هَزَلَتْ بِقَبُولِ الطَّلَاقِ بِمَالٍ، وَاتَّفَقَا عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ مَا لَمْ يَرْضَ بِالْتِزَامِ الْمَالِ.

وَعِنْدَهُمَا الطَّلَاقُ وَاقِعٌ، وَالْمَالُ وَاجِبٌ، فَبِالْكُلِّ حَاجَةٌ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ مَسْأَلَةِ الْإِكْرَاهِ، وَمَسْأَلَةِ الْخِيَارِ، وَالْهَزْلِ، فَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، فَقَالَ الْإِكْرَاهُ لَا يُعْدِمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>