للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُعْمِرَهَا مِنْ التَّنْعِيمِ مَكَانَ عُمْرَتِهَا يَعْنِي مَكَانَ الْعُمْرَةِ الَّتِي رَفَضَتْهَا عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. فَمِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ عَرَفَ النَّاسُ مَوْضِعَ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ فَيَخْرُجُونَ إلَيْهِ إذَا أَرَادُوا الْإِحْرَامَ بِالْعُمْرَةِ، وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ مَا قِيلَ مَا نَزَلَ بِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَمْرٌ تَكْرَهُهُ إلَّا كَانَ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ فَرَجٌ.

ثُمَّ بَعْدَ إحْرَامِهِ يَتَّقِي مَا يَتَّقِيه فِي إحْرَامِ الْحَجِّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا «حَتَّى يَقْدَمَ مَكَّةَ، وَيَدْخُلُ الْمَسْجِدَ فَيَبْدَأُ بِالْحَجَرِ فَيَسْتَلِمُهُ وَيَطُوفُ بِالْبَيْتِ، وَيَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ يَحْلِقُ أَوْ يُقَصِّرُ، وَقَدْ فَرَغَ مِنْ عُمْرَتِهِ، وَحَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ هَكَذَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ حِينَ اعْتَمَرَ مِنْ الْجِعْرَانَةِ». وَالِاخْتِلَافُ فِي فُصُولٍ أَحَدُهَا أَنَّ عِنْدَنَا يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ فِي الْعُمْرَةِ حِينَ يَسْتَلِمُ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ عِنْدَ أَوَّلِ شَوْطٍ مِنْ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ، وَعِنْدَ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَمَا وَقَعَ بَصَرُهُ عَلَى الْبَيْتِ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ؛ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ زِيَارَةُ الْبَيْتِ، وَقَدْ تَمَّ حُضُورُهُ بِوُقُوعِ بَصَرِهِ عَلَى الْبَيْتِ، وَلِأَنَّ هَذَا الطَّوَافَ هُوَ الرُّكْنُ فِي الْعُمْرَةِ بِمَنْزِلَةِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ فِي الْحَجِّ فَكَمَا يُقَدِّمُ قَطْعَ التَّلْبِيَةِ هُنَاكَ عَلَى الِاشْتِغَالِ بِالطَّوَافِ فَهُنَا يُقَدِّمُ قَطْعَ التَّلْبِيَةِ عَلَى الِاشْتِغَالِ بِالطَّوَافِ، وَلَكِنَّا نَسْتَدِلُّ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ حِينَ اسْتَلَمَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ»، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ قَطْعَ التَّلْبِيَةِ هُنَا الطَّوَافُ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ مَالِكًا - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - اعْتَبَرَ وُقُوعَ بَصَرِهِ عَلَى الْبَيْتِ وَرُؤْيَةَ الْبَيْتِ غَيْرَ مَقْصُودَةٍ إنَّمَا الْمَقْصُودُ الطَّوَافُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْقَطْعُ مَعَ افْتِتَاحِ الطَّوَافِ، وَذَلِكَ عِنْدَ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ كَمَا قُلْنَا فِي الْحَجِّ أَنَّ قَطْعَ التَّلْبِيَةِ عِنْدَ الرَّمْيِ، وَذَلِكَ مَعَ أَوَّلِ حَصَاةٍ يَرْمِي بِهَا (وَالثَّانِي) أَنَّ فِي الْعُمْرَةِ بَعْدَ الطَّوَافِ، وَالسَّعْيِ يَحْلِقُ عِنْدَنَا، وَعَلَى قَوْلِ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا حَلْقَ عَلَيْهِ إنَّمَا الْعُمْرَةُ الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ فَقَطْ، وَحُجَّتُنَا قَوْله تَعَالَى {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [الفتح: ٢٧] وَهُوَ بُشْرَى لَهُمْ بِمَا عَايَنُوهُ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُمْ بِالْحَلْقِ وَحَلَقَ رَأْسَهُ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ وَلِأَنَّ التَّحَرُّمَ لِلْإِحْرَامِ بِالتَّلْبِيَةِ وَالتَّحَلُّلَ بِالْحَلْقِ فَكَمَا سَوَّى بَيْنَ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ، وَإِحْرَامِ الْحَجِّ فِي التَّحَرُّمِ فَكَذَلِكَ فِي التَّحَلُّلِ أَلَا تَرَى أَنَّ فِي بَابِ الصَّلَاةِ سَوَّى بَيْنَ الْمَكْتُوبَةِ وَالنَّافِلَةِ فِي التَّحَرُّمِ بِالتَّكْبِيرِ وَالتَّحَلُّلِ بِالتَّسْلِيمِ فَكَذَلِكَ هَذَا

[أَرَادَ التَّمَتُّعَ، وَلَمْ يَسُقْ هَدْيًا]

(قَالَ) وَكَذَا إنْ أَرَادَ التَّمَتُّعَ، وَلَمْ يَسُقْ هَدْيًا، وَيُقِيمُ بِمَكَّةَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعُمْرَةِ حَلَالًا، وَقَدْ بَيَّنَّا صُورَةَ التَّمَتُّعِ، وَهُوَ أَنْ يَعْتَمِرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَيَحُجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُلِمَّ بِأَهْلِهِ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ إلْمَامًا صَحِيحًا، وَكَانَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ إنْ أَتَى بِالْعُمْرَةِ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَلَمْ يَتَحَلَّلْ مِنْ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ حَتَّى دَخَلَتْ أَشْهُرُ الْحَجِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>