للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا، وَإِنْ كَانَ أَدَاءُ أَعْمَالِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَعِنْدَهُ الْمُعْتَبَرُ وَقْتُ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ، وَعِنْدَ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقْتُ التَّحَلُّلِ مِنْ الْإِحْرَامِ، وَنَحْنُ نَقُولُ إنْ كَانَ أَدَاءُ الْأَعْمَالِ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا؛ لِأَنَّ إحْرَامَهُ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ صَارَ بِحَيْثُ لَا يَفْسُدُ بِالْجِمَاعِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ لَمْ يَحِلَّ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِالْأَعْمَالِ حَتَّى دَخَلَتْ أَشْهُرُ الْحَجِّ فَإِحْرَامُهُ لِلْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ بِحَيْثُ يَفْسُدُ بِالْجِمَاعِ فَهُوَ كَمَا لَوْ أَحْرَمَ بِهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ مُتَرَفِّقٌ بِأَدَاءِ النُّسُكَيْنِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ هُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إمَّا أَنْ يَصْبِرَ بِمَكَّةَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعُمْرَةِ حَتَّى يُؤَدِّيَ الْحَجَّ فَيَكُونَ مُتَمَتِّعًا بِالِاتِّفَاقِ، وَإِمَّا أَنْ يَعُودَ إلَى أَهْلِهِ بَعْدَمَا حَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ، ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ فَلَا يَكُونَ مُتَمَتِّعًا بِإِجْمَاعٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا، وَفِي أَحَدِ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَكُونُ مُتَمَتِّعًا، وَيَقُولُ لَا أَعْرِفُ ذَلِكَ الْإِلْمَامَ مَاذَا يَكُونُ فَهُوَ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّ الْمَكِّيَّ لَهُ الْمُتْعَةُ وَالْقِرَانُ، وَيَأْتِي بَيَانُ هَذَا فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَاعْتِمَادُنَا فِيهِ عَلَى حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ إذَا أَلَمَّ بِأَهْلِهِ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ إلْمَامًا صَحِيحًا فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ. وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَكَانَ الْمَعْنَى فِيهِ، وَهُوَ أَنَّهُ أَنْشَأَ لِكُلِّ نُسُكٍ سَفَرًا مِنْ أَهْلِهِ، وَالتَّمَتُّعُ مَنْ يَتَرَفَّقُ بِأَدَاءِ النُّسُكَيْنِ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ، فَأَمَّا إذَا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْعُمْرَةِ فَأَتَى بَلْدَةً أُخْرَى غَيْرَ بَلْدَتِهِ بِأَنْ يَكُونَ كُوفِيًّا فَأَتَى الْبَصْرَةَ ثُمَّ عَادَ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ كَانَ مُتَمَتِّعًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَلَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا فِي قَوْلِهِمَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كِتَابِهِ وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ صُورَةَ الْمُتَمَتِّعِ أَنْ تَكُونَ عُمْرَتُهُ مِيقَاتِيَّةً، وَحَجَّتُهُ مَكِّيَّةً، وَهَذَا حَجَّتُهُ وَعُمْرَتُهُ مِيقَاتِيَّتَانِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَمَا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ حَلَالًا إذَا عَادَ يَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ مِنْ الْمِيقَاتِ فَهُوَ وَاَلَّذِي أَلَمَّ بِأَهْلِهِ سَوَاءٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - اسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّ قَوْمًا سَأَلُوهُ فَقَالُوا: اعْتَمَرْنَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، ثُمَّ زُرْنَا الْقَبْرَ، ثُمَّ حَجَجْنَا فَقَالَ: أَنْتُمْ مُتَمَتِّعُونَ، وَلِأَنَّهُ مُتَرَفِّقٌ بِأَدَاءِ النُّسُكَيْنِ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ مَاضٍ عَلَى سَفَرِهِ مَا لَمْ يَعُدْ إلَى أَهْلِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمِيقَاتِ حَتَّى حَجَّ، وَعَادَ فَيَكُونُ مُتَمَتِّعًا

(قَالَ) وَإِذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ، وَهُوَ بِمَكَّةَ فَأَرَادَ الرَّوَاحَ إلَى مِنًى لَبِسَ الْإِزَارَ وَالرِّدَاءَ وَلَبَّى بِالْحَجِّ إنْ شَاءَ مِنْ الْمَسْجِدِ أَوْ مِنْ الْأَبْطَحِ أَوْ مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ مِنْ الْحَرَمِ شَاءَ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَمَرَ أَصْحَابَهُ الَّذِينَ فَسَخُوا إحْرَامَ الْحَجِّ بِالْعُمْرَةِ أَنْ يُحْرِمُوا بِالْحَجِّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ»، وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: فَخَرَجْنَا مِنْ مَكَّةَ فَلَمَّا جَعَلْنَاهَا بِظَهْرٍ أَحْرَمْنَا بِالْحَجِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>