[بَابُ الصُّلْحِ فِي الْوَصَايَا]
قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -:) وَإِذَا أَوْصَى الرَّجُلُ بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ سَنَةً لِرَجُلٍ وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِهِ فَصَالَحَهُ الْوَارِثُ مِنْ الْخِدْمَةِ عَلَى دَارَهُمْ أَوْ عَلَى سُكْنَى بَيْتٍ أَوْ عَلَى خِدْمَةِ خَادِمٍ آخَرَ أَوْ عَلَى رُكُوبِ دَابَّةٍ أَوْ عَلَى لُبْسِ ثَوْبٍ شَهْرًا فَهُوَ جَائِزٌ اسْتِحْسَانًا، وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ فِي حُكْمِ الِاعْتِيَاضِ كَالْمُسْتَعِيرِ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ أَنْ يُؤَاجِرَهُ كَالْمُسْتَعِيرِ وَهَذَا لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْخِدْمَةَ بِغَيْرِ عِوَضٍ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، ثُمَّ الْمُسْتَعِيرُ لَا يَعْتَاضُ عَنْ الْخِدْمَةِ مَعَ الْمُعِيرِ فَكَذَلِكَ الْمُوصَى لَهُ.
وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الصُّلْحَ يَصِحُّ بِطَرِيقِ الْإِسْقَاطِ إذَا تَعَذَّرَ تَصْحِيحُهُ بِطَرِيقِ الْمُبَادَلَةِ كَمَا لَوْ صَالَحَ مِنْ الْأَلْفِ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ وَهُنَا تَصْحِيحُهُ بِطَرِيقِ إسْقَاطِ الْحَقِّ بِعِوَضٍ مُمْكِنٍ؛ لِأَنَّهُ اُسْتُحِقَّ عَلَى الْوَرَثَةِ تَسْلِيمُ الْعَبْدِ لَهُ فِي الْمُدَّةِ لِيَسْتَوْفِيَ خِدْمَتَهُ، وَهُوَ حَقٌّ لَازِمٌ لَا يَمْلِكُ الْوَارِثُ إبْطَالَهُ فَيَجُوزُ إسْقَاطُهُ بِعِوَضٍ بِخِلَافِ الْمُسْتَعِيرِ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى الْمُعِيرِ حَقًّا لَازِمًا، فَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُ الصُّلْحِ مَعَهُ اعْتِيَاضًا عَنْ إسْقَاطِ الْخِدْمَةِ فَكَذَلِكَ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ وَصِيُّ الْوَارِثِ الصَّغِيرِ وَرُبَّمَا يَكُونُ هَذَا التَّصَرُّفُ نَظَرًا لِلصَّغِيرِ.
وَالْوَصِيُّ فِي ذَلِكَ يَقُومُ مَقَامَهُ إسْقَاطًا كَانَ أَوْ تَمْلِيكًا، فَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ الْمُوصَى لَهُ بِخِدْمَتِهِ بَعْدَمَا قَبَضَ الْمُوصَى لَهُ مَا صَالَحُوهُ عَلَيْهِ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي مِنْ جَانِبِهِ إسْقَاطُ الْحَقِّ فَيَتِمُّ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْمُسْقَطَ يَكُونُ مُتَلَاشِيًا وَالْوَارِثُ بَعْدَ ذَلِكَ يَسْتَوْفِي خِدْمَتَهُ بِمِلْكِهِ لَا بِالتَّمَلُّكِ عَلَى الْمُوصَى لَهُ بِعِوَضٍ فَبَقَاؤُهُ وَمُؤْنَتُهُ فِي حُكْمِ الصُّلْحِ سَوَاءٌ، وَإِنْ صَالَحُوهُ عَلَى ثَوْبٍ فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَيَرْجِعَ فِي الْخِدْمَةِ؛ لِأَنَّ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ بِمَنْزِلَةِ الْمَبِيعِ وَإِذَا كَانَ مَا يُقَابِلُهُ إسْقَاطَ الْحَقِّ كَمَا فِي الصُّلْحِ عَلَى الْإِنْكَارِ وَالْمَبِيعِ يُرَدُّ بِالْعَيْبِ الْيَسِيرِ وَالْفَاحِشِ وَبِرَدِّهِ يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ فَهَذَا مِثْلُهُ وَإِذَا انْفَسَخَ رَجَعَ فِي الْخِدْمَةِ وَلَيْسَ لَهُ بَيْعُ الثَّوْبِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ لِبَقَاءِ الْغَرَرِ فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ التَّصَرُّفِ كَمَا فِي الْبَيْعِ، وَلَوْ صَالَحَهُ عَلَى دَرَاهِمَ كَانَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا ثَوْبًا قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا بِمَنْزِلَةِ الثَّمَنِ يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ بِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَلَوْ أَنَّ الْوَارِثَ اشْتَرَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute