للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْإِذْنِ وَالْمَوْلَى الَّذِي لَمْ يَأْذَنْ لَهُ مِنْ نَصِيبِ الْإِذْنِ كَالْأَجْنَبِيِّ وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ كَاتَبَهُ أَحَدُ الْمَوْلَيَيْنِ عَلَى نَصِيبِهِ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ؛ فَإِنَّهُ تَجُوزُ قِسْمَتُهُ وَسَائِرُ تَصَرُّفَاتِهِ بِاعْتِبَارِ هَذَا الْفَكِّ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ وَمَعَ الْمَوْلَى الْآخَرِ، فَكَذَلِكَ بَعْدَ الْإِذْنِ مِنْ أَحَدِهِمَا لَهُ فِي التِّجَارَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[كِتَابُ الْإِجَارَاتِ]

(قَالَ: الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ الزَّاهِدُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَهْلٍ السَّرَخْسِيِّ إمْلَاءً: اعْلَمْ أَنَّ الْإِجَارَةَ عَقْدٌ عَلَى الْمَنْفَعَةِ بِعِوَضٍ هُوَ مَالٌ وَالْعَقْدُ عَلَى الْمَنَافِعِ شَرْعًا نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا: بِغَيْرِ عِوَضٍ كَالْعَارِيَّةِ وَالْوَصِيَّةِ بِالْخِدْمَةِ وَالْآخَرُ: بِعِوَضٍ وَهُوَ الْإِجَارَةُ وَجَوَازُ هَذَا الْعَقْدِ عُرِفَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ) أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا} [الزخرف: ٣٢] أَيْ فِي الْعَمَلِ بِأَجْرٍ وَقَالَ: اللَّهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ شُعَيْبٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ} [القصص: ٢٧]، وَمَا ثَبَتَ شَرِيعَةً لِمَنْ قَبْلَنَا فَهُوَ لَازِمٌ لَنَا مَا لَمْ يَقُمْ الدَّلِيلُ عَلَى انْفِسَاخِهِ وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفّ عَرَقَهُ» فَالْأَمْرُ بِإِعْطَاءِ الْأَجْرِ دَلِيلُ صِحَّةِ الْعَقْدِ، وَبُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالنَّاسُ يُؤَاجِرُونَ وَيَسْتَأْجِرُونَ فَأَقَرَّهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَبَيَّنَ أَحْكَامَهُ وَزَعَمَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَى جَوَازَ هَذَا الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ يَرِدُ عَلَى الْمَعْدُومِ وَهِيَ الْمَنْفَعَةُ الَّتِي تُوجَدُ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ وَالْمَعْدُومُ لَيْسَ بِمَحِلٍّ لِلْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ فَيَسْتَحِيلُ وَصْفُهُ بِأَنَّهُ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ مِلْكُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بَعْدَ الْوُجُودِ لَا بُدَّ مِنْهُ لِانْعِقَادِ الْعَقْدِ وَالْمَعْدُومُ لَا يُوصَفُ بِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ وَلَا يُمْكِنُ جَعْلُ الْعَقْدِ مُضَافًا؛ لِأَنَّ الْمُعَاوَضَاتِ لَا تَحْتَمِلُ الْإِضَافَةَ كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ (قَالَ:) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهَذَا عِنْدِي لَيْسَ بِقَوِيٍّ وَاشْتِرَاطُ الْوُجُودِ وَالْمِلْكِ فِيمَا يُضَافُ إلَيْهِ الْعَقْدُ لِعَيْنِهِ بَلْ لِلْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ، وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْمَانِعِ فَإِنَّ الْوُجُودَ يُعْجِزُهُ عَنْ التَّسْلِيمِ بِحُكْمِ الْعَقْدِ هُنَا؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ أَعْرَاضٌ لَا تَبْقَى وَقْتَيْنِ وَالتَّسْلِيمَ حُكْمُ الْعَقْدِ وَالْحُكْمُ يَعْقُبُ السَّبَبَ فَلَا يُتَصَوَّرُ بَقَاءُ الْمَوْجُودِ مِنْ الْمَنْفَعَةِ عِنْدَ الْعَقْدِ إلَى وَقْتِ التَّسْلِيمِ فَإِذَا كَانَ بِالْوُجُودِ يَتَحَقَّقُ الْعَجْزُ عَنْ التَّسْلِيمِ عِنْدَ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ فَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ الْوُجُودِ عِنْدَ الْعَقْدِ وَلَكِنْ تُقَامُ الْعَيْنُ الْمُنْتَفَعُ بِهَا مَوْجُودَةً فِي مِلْكِ الْعَقْدِ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ فِي حُكْمِ جَوَازِ الْعَقْدِ وَلُزُومِهِ كَمَا تُقَامُ الْمَرْأَةُ مَقَامَ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالنِّكَاحِ فِي حُكْمِ الْعَقْدِ وَالتَّسْلِيمِ

وَتُقَامُ الذِّمَّةُ الَّتِي هِيَ مَحِلُّ الْمُسْلَمِ فِيهِ مَقَامَ مِلْكِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فِي حُكْمِ جَوَازِ السَّلَمِ، أَوْ

<<  <  ج: ص:  >  >>