فِي الْبَيْعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
[بَابُ بُيُوعِ ذَوِي الْأَرْحَامِ.]
قَالَ لَيْسَ يَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ الْجَارِيَةِ وَوَلَدِهَا فِي الْبَيْعِ وَلَا فِي الْهِبَةِ وَلَا فِي الصَّدَقَةِ وَلَا فِي الْوَصِيَّةِ إذَا كَانَ صَغِيرًا لِمَا رُوِيَ أَنَّ «زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَدِمَ بِسَبَايَا فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَصَفَّحُهُمْ فَرَأَى جَارِيَةً وَالِهَةً فَسَأَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ شَأْنِهَا فَقَالَ زَيْدٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - احْتَجْنَا إلَى نَفَقَةٍ فَبِعْنَا وَلَدَهَا فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَدْرِكْ أَدْرِكْ لَا تُولَهُ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ وَفِي رِوَايَةٍ فَرَّقَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَكَذَلِكَ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ فِي مِلْكِهِ شَخْصَانِ بَيْنَهُمَا قَرَابَةٌ مُحَرِّمَةٌ لِلنِّكَاحِ وَهُمَا صَغِيرَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا صَغِيرٌ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا فِي الْإِخْرَاجِ عَنْ مِلْكِهِ بِالْبَيْعِ عِنْدَنَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْوَالِدَيْنِ وَالْمَوْلُودِينَ كَذَلِكَ وَفِيمَا سِوَى ذَلِكَ لَا بَأْسَ بِالتَّفْرِيقِ بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِهِ فِي عِتْقِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ عِنْدَ دُخُولِهِ فِي مِلْكِهِ وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَبَ لِعَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ أَخَوَيْنِ صَغِيرَيْنِ ثُمَّ لَقِيَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ مَا فَعَلَ الْغُلَامَانِ فَقَالَ بِعْتُ أَحَدَهُمَا فَقَالَ أَدْرِكْ» وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الصَّغِيرَ يَسْتَأْنِسُ بِالْكَبِيرِ وَالْكَبِيرُ يُشْفِقُ عَلَى الصَّغِيرِ وَيَقُومُ بِحَوَائِجِهِ فَفِي التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا إيحَاشُهُمَا وَتَرْكُ التَّرَحُّمِ عَلَيْهِمَا وَقَدْ قَالَ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَلَمْ يُوَقِّرْ كَبِيرَنَا فَلَيْسَ مِنَّا» وَالْكَافِرُ وَالْمُسْلِمُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الشَّفَقَةِ الَّتِي تَنْبَنِي عَلَى الْقَرَابَةِ ثُمَّ تَمْتَدُّ هَذِهِ الْكَرَاهَةُ إلَى الْبُلُوغِ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إلَى أَنْ يَسْتَغْنِيَ الصَّغِيرُ عَنْ الْكَبِيرِ فِي التَّرْبِيَةِ وَاعْتِمَادُنَا فِي ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي مُسْنَدِهِ بِالْإِسْنَادِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «لَا تَجْمَعُوا عَلَيْهِمْ بَيْنَ السَّبْيِ وَالتَّفْرِيقِ مَا لَمْ يَبْلُغْ الْغُلَامُ وَتَحِضْ الْجَارِيَةُ» وَقَدْ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - إذَا رَاهَقَ الصَّغِيرُ وَرَضِيَا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَلَا بَأْسَ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ أَهْلِ النَّظَرِ لِنَفْسِهِ وَرُبَّمَا يَرَيَانِ مَصْلَحَةً فِي ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِالتَّفْرِيقِ عِنْدَ ذَلِكَ بِرِضَاهُمَا فَأَمَّا بَعْدَ الْبُلُوغِ فَلَا بَأْسَ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَقُومُ بِحَوَائِجِهِ، وَرُبَّمَا لَا يَسْتَأْنِسُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ بَلْ يَسْتَوْحِشُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ إذَا اجْتَمَعُوا فِي مِلْكِ رَجُلٍ وَاحِدٍ حَتَّى يُؤَدِّيَ إلَى قَطِيعَةِ الرَّحِمِ وَلِهَذَا حَرَّمَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute