للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَك عَلَيَّ ثُمَّ جَحَدَ الْكَفِيلُ وَالْمَكْفُولُ لَهُ الْمُبَايَعَةَ، وَأَقَامَ الطَّالِبُ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَحَدِهِمَا أَنَّهُ قَدْ بَاعَ الْمَكْفُولُ لَهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ مَتَاعًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ؛ لَزِمَهُمَا جَمِيعًا ذَلِكَ الْمَالُ أَيُّهُمَا كَانَ حَضَرَ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ. وَالْمَالُ الَّذِي يُطَالِبَانِ بِهِ وَاحِدٌ فَيُنَصَّبُ الْحَاضِرُ مِنْهُمَا خَصْمًا فَيَكُونُ حُضُورُ أَحَدِهِمَا كَحُضُورِهِمَا فَلَا يُكَلَّفُ إعَادَةَ الْبَيِّنَةِ عِنْدَ حُضُورِ الْآخَرِ إذَا كَانَ الْقَاضِي هُوَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ عَالِمٌ بِسَبَبِ وُجُوبِ الْمَالِ عَلَى الَّذِي حَضَرَ إذْ هُوَ بَاشَرَ الْقَضَاءَ بِهِ عَلَى الْأَوَّلِ، وَعِلْمُهُ يُغْنِي الطَّالِبَ عَنْ إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ.

وَلَوْ قَالَ: مَنْ بَايَعَ فُلَانًا الْيَوْمَ بِبَيْعٍ فَهُوَ عَلَيَّ فَبَاعَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ لَمْ يَلْزَمْ الْكَفِيلَ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الْمَكْفُولَ لَهُ مَجْهُولٌ، وَجَهَالَةُ الْمَكْفُولِ لَهُ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْكَفَالَةِ كَجَهَالَةِ الْمُقِرِّ لَهُ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ وَاحِدٌ مِنْ النَّاسِ: عَلَيَّ شَيْءٌ كَانَ إقْرَارُهُ بَاطِلًا.

وَلَوْ قَالَ لِقَوْمٍ خَاصَّةً: مَا بَايَعْتُمُوهُ أَنْتُمْ وَغَيْرُكُمْ فَهُوَ عَلَيَّ؛ كَانَ عَلَيْهِ مَا يَبِيعُ بِهِ أُولَئِكَ الْقَوْمُ، وَلَا يَلْزَمُهُ مَا بَايَعَ غَيْرُهُمْ؛ لِأَنَّ فِي حَقِّهِمْ الْمَكْفُولُ لَهُ مَعْلُومٌ فَصَحَّتْ الْكَفَالَةُ، وَفِي حَقِّ غَيْرِهِمْ هُوَ مَجْهُولٌ فَلَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ وَلَكِنْ ضَمُّ الْمَجْهُولِ إلَى الْمَعْلُومِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْكَفَالَةِ فِي حَقِّ الْمَعْلُومِ؛ لِأَنَّ مَا يَلْتَزِمُهُ لِوَاحِدٍ بِالْكَفَالَةِ مُنْفَصِلٌ عَمَّا يَلْتَزِمُهُ لِلْآخَرِ.

وَلَوْ أَذِنَ لِعَبْدِهِ فِي التِّجَارَةِ وَقَالَ لِرَجُلٍ: مَا بَايَعْت بِهِ عَبْدِي مِنْ شَيْءٍ أَبَدًا فَهُوَ عَلَيَّ أَوْ لَمْ يَقُلْ أَبَدًا فَهُوَ سَوَاءٌ وَلَزِمَهُ كُلُّ بَيْعٍ بَايَعَهُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْتِزَامَ الْمَوْلَى مِنْ عَبْدِهِ بِحُكْمِ الْكَفَالَةِ صَحِيحٌ، كَمَا يَصِحُّ مِنْ الْحُرِّ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِيمَا سَبَقَ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: كُلُّ مَا بَايَعْته أَوْ الَّذِي بَايَعْته بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: إذَا بَايَعْته أَوْ إنْ بَايَعْته؛ فَهَذَا عَلَى الْأَوَّلِ خَاصَّةً وَقَدْ بَيَّنَّا الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي الْحُرِّ فَكَذَلِكَ فِي الْعَبْدِ

وَلَوْ قَالَ مَا بَايَعْت فُلَانًا مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ عَلَيَّ فَأَسْلَمَ إلَيْهِ دَرَاهِمَ فِي طَعَامٍ أَوْ بَاعَهُ شَعِيرًا بِزَيْتٍ فَذَلِكَ كُلُّهُ عَلَى الْكَفِيلِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ بَاعَهُ فَإِنَّ السَّلَمَ نَوْعُ بَيْعٍ وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذَا وَكَّلَهُ بِثَوْبٍ يَبِيعُهُ فَأَسْلَمَهُ فِي طَعَامٍ؛ جَازَ عَلَى الْمُوَكِّلِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ السَّلَمَ غَيْرُ الْبَيْعِ بَلْ إنَّ مُطْلَقَ التَّوَكُّلِ بِالْبَيْعِ يَنْصَرِفُ إلَى الْبَيْعِ بِالنُّقُودِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[بَابُ الْحَوَالَةِ]

(قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) ذُكِرَ عَنْ شُرَيْحٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَالَ فِي الْحَوَالَةِ: إذَا أَفْلَسَ فَلَا تَوًى عَلَى مَالِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يُرِيدُ بِهِ أَنَّ مَالَ الطَّالِبِ يَعُودُ فَدَلِيلُهُمَا أَنَّ بِمُجَرَّدِ الْإِفْلَاسِ تَبْطُلُ الْحَوَالَةُ. قَالَ: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَأَحَالَهُ بِهَا فَقَدْ بَرِئَ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا. وَقَدْ بَيَّنَّا اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فِيهِ وَوَجْهَ الْفَرْقِ بَيْنَ الْكَفَالَةِ وَالْحَوَالَةِ (فَفِي الْكِتَابِ)

<<  <  ج: ص:  >  >>