للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صَحِيحٌ، ثُمَّ إذَا فُرِّقَ بِإِبَاءِ الزَّوْجِ، وَكَانَ صَغِيرًا فَبَعْضُ مَشَايِخِنَا يَقُولُونَ: هَذَا لَا يَكُونُ طَلَاقًا؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الطَّلَاقِ بِخِلَافِ الْبَالِغِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ طَلَاقٌ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ قَدْ تَقَرَّرَ فَهُوَ نَظِيرُ الْفُرْقَةِ بِسَبَبِ الْجَبِّ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِإِيقَاعِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ، ثُمَّ الْعِتْقُ يَنْفُذُ مِنْ جِهَتِهِ إذَا تَقَرَّرَ سَبَبُهُ بِأَنْ وَرِثَ قَرِيبَهُ فَكَذَلِكَ الطَّلَاقُ

[نَصْرَانِيٌّ تَزَوَّجَ نَصْرَانِيَّةً ثُمَّ أَنَّهَا تَمَجَّسَتْ]

(قَالَ:) نَصْرَانِيٌّ تَزَوَّجَ نَصْرَانِيَّةً ثُمَّ أَنَّهَا تَمَجَّسَتْ فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَجُوسِيَّةً فِي الِابْتِدَاءِ صَحَّ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا، فَكَذَلِكَ إذَا تَمَجَّسَتْ، وَهُوَ بِنَاءً عَلَى أَصْلِنَا أَنَّهُ إذَا تَحَوَّلَ مِنْ دِينٍ إلَى دِينٍ يُتْرَكُ عَلَى مَا اعْتَقَدَ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ وَلِلشَّافِعِيِّ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: قَوْلٌ مِثْلُ قَوْلِنَا، وَقَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ يُقْتَلُ إنْ لَمْ يُسْلِمْ؛ لِأَنَّ الْأَمَانَ لَهُ كَانَ عَلَى مَا اعْتَقَدَ فَإِذَا بَدَّلَهُ بِغَيْرِهِ لَمْ يَبْقَ لَهُ أَمَانٌ فَيُقْتَلُ إنْ لَمْ يُسْلِمْ، وَهَذَا فَاسِدٌ فَإِنَّ الْأَمَانَ بِسَبَبِ الذِّمَّةِ كَانَ لَهُ مَعَ كُفْرِهِ، وَمَا تَرَكَ الْكُفْرَ، وَإِذَا كَانَ مَا اعْتَقَدَ لَا يُنَافِي ابْتِدَاءَ عَقْدِ الذِّمَّةِ لَا يَكُونُ مُنَافِيًا لِلْبَقَاءِ أَيْضًا، وَفِي قَوْلٍ آخَرَ يَقُولُ: يُجْبَرُ عَلَى الْعَوْدِ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ كَالْمُسْلِمِ إذَا ارْتَدَّ، وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ، وَهُوَ بَعِيدٌ أَيْضًا فَإِنَّ مَا كَانَ عَلَيْهِ كَانَ كُفْرًا فَكَيْفَ يُجْبَرُ عَلَى الْعَوْدِ إلَيْهِ؟، وَالنَّصْرَانِيُّ إذَا تَهَوَّدَ فَقَدْ اعْتَقَدَ التَّوْحِيدَ ظَاهِرًا، فَكَيْفَ يُجْبَرُ عَلَى الْعَوْدِ إلَى التَّثْلِيثِ بَعْدَ مَا اعْتَقَدَ التَّوْحِيدَ؟، فَإِنْ أَسْلَمَ الزَّوْجُ بَعْدَ مَا تَمَجَّسَتْ عُرِضَ عَلَيْهَا الْإِسْلَامُ كَمَا لَوْ كَانَتْ مَجُوسِيَّةً فِي الْأَصْلِ فَإِنْ أَسْلَمَتْ، وَإِلَّا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا.

وَإِنْ تَهَوَّدَتْ أَوْ تَنَصَّرَتْ كَانَا عَلَى النِّكَاحِ، كَمَا لَوْ كَانَتْ يَهُودِيَّةً أَوْ نَصْرَانِيَّةً فِي الِابْتِدَاءِ، وَإِنْ تَمَجَّسَتْ بَعْدَمَا أَسْلَمَ الزَّوْجُ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ تَمَجُّسَهَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ كَرِدَّةِ الْمُسْلِمَةِ، فَكَمَا يَتَعَجَّلُ الْفُرْقَةَ بِنَفْسِ رِدَّةِ الْمَرْأَةِ، فَكَذَا بِتَمَجُّسِهَا بَعْدَ إسْلَامِ الزَّوْجِ

(قَالَ): نَصْرَانِيٌّ تَزَوَّجَ نَصْرَانِيَّةً بِشَهَادَةِ عَبْدَيْنِ كَانَ جَائِزًا؛ إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي دِينِهِمْ نِكَاحًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ شُهُودٍ جَازَ فَبِشَهَادَةِ الْعَبْدَيْنِ أَوْلَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ

[بَابُ نِكَاحِ الْمُرْتَدِّ]

(قَالَ): وَلَا يَجُوزُ لِلْمُرْتَدِّ أَنْ يَتَزَوَّجَ مُرْتَدَّةً، وَلَا مُسْلِمَةً، وَلَا كَافِرَةً أَصْلِيَّةً؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ يَعْتَمِدُ الْمِلَّةَ، وَلَا مِلَّةَ لِلْمُرْتَدِّ، فَإِنَّهُ تَرَكَ مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَهُوَ غَيْرُ مُقَرٍّ عَلَى مَا اعْتَقَدَهُ، وَحَقِيقَةُ الْمَعْنَى فِيهِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ النِّكَاحَ مَشْرُوعٌ لِمَعْنَى الْبَقَاءِ، فَإِنَّ بَقَاءَ النَّسْلِ بِهِ يَكُونُ، وَكَذَلِكَ بَقَاءُ النُّفُوسِ بِالْقِيَامِ بِمَصَالِحِ الْمَعِيشَةِ، وَالْمُرْتَدُّ مُسْتَحِقٌّ لِلْقَتْلِ فَمَا كَانَ سَبَبُ الْبَقَاءِ لَا يَكُونُ مَشْرُوعًا

<<  <  ج: ص:  >  >>