فَكَانَ اسْمُ الْبَيْتِ مُتَنَاوِلًا لَهُ، فَيَحْنَثُ بِسُكْنَاهُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى الْبُيُوتَ دُونَ الصِّفَافِ، فَحِينَئِذٍ يُصَدَّقُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ خَصَّ الْعَامَّ بِنِيَّتِهِ.
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ دَارَ فُلَانٍ هَذِهِ، فَسَكَنَ مَنْزِلًا مِنْهَا حَنِثَ؛ لِأَنَّ السُّكْنَى فِي الدَّارِ هَكَذَا تَكُونُ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ يَقُولُ أَنَا سَاكِنٌ فِي دَارِ فُلَانٍ، وَإِنَّمَا يَسْكُنُ فِي بَعْضِهَا فَإِنَّهُ لَا يَسْكُنُ تَحْتَ السُّوَرِ، وَعَلَى الْغُرَفِ وَالْحُجَرِ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى أَنْ يَسْكُنَهَا كُلَّهَا، فَلَا يَحْنَثُ حِينَئِذٍ حَتَّى يَسْكُنَهَا كُلَّهَا؛ لِأَنَّهُ نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ، وَمُطْلَقُ الْكَلَامِ وَإِنْ كَانَ مَحْمُولًا عَلَى الْمُتَعَارَفِ فَنِيَّةُ الْحَقِيقَةِ تَصِحُّ فِيهِ، كَمَا لَوْ قَالَ: يَوْمَ يَقْدُمُ فُلَانٌ فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ حُمِلَ عَلَى الْوَقْتِ لِلْعُرْفِ، فَإِنْ نَوَى حَقِيقَةَ بَيَاضِ النَّهَارِ عَمِلَتْ نِيَّتُهُ فِي ذَلِكَ، فَهَذَا مِثْلُهُ حَتَّى لَوْ كَانَ حَلَفَ بِعِتْقٍ أَوْ طَلَاقٍ يَدِينُ فِي الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ حَقِيقَةٌ غَيْرُ مَهْجُورَةٍ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ دَارًا لِفُلَانٍ، وَهُوَ يَنْوِي بِأَجْرٍ أَوْ عَارِيَّةً، وَسَكَنَهَا عَلَى غَيْرِ مَا عُنِيَ، وَلَمْ يَجْرِ قَبْلَ ذَلِكَ كَلَامٌ، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ، وَمَا نُوِيَ لَا يُغْنِي عَنْهُ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ نَوَى التَّخْصِيصَ فِيمَا لَيْسَ مِنْ لَفْظِهِ، فَإِنَّ فِي لَفْظِهِ فِعْلَ السُّكْنَى، وَهُوَ نَوَى التَّخْصِيصَ فِي السَّبَبِ الَّذِي يَتَمَكَّنُ بِهِ مِنْ السُّكْنَى، إلَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ هَذَا كَلَامٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ بِأَنْ اسْتَعَارَهُ فَأَبَى فَحَلَفَ، وَهُوَ يَنْوِي الْعَارِيَّةَ، ثُمَّ سَكَنَ بِأَجْرٍ فَحِينَئِذٍ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْكَلَامِ يَتَقَيَّدُ بِدَلَالَةِ الْحَالِ وَيَصِيرُ ذَلِكَ كَالْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
[بَابُ الدُّخُولِ]
(قَالَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَإِذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ بَيْتًا لِفُلَانٍ، وَلَمْ يُسَمِّ بَيْتًا بِعَيْنِهِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَدَخَلَ بَيْتًا هُوَ فِيهِ سَاكِنٌ بِأَجْرٍ أَوْ عَارِيَّةٍ، فَهُوَ حَانِثٌ عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ إلَى فُلَانٍ بِالْمِلْكِ حَقِيقَةٌ وَبِالسُّكْنَى مَجَازٌ، فَلَا تَجْتَمِعُ الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ، وَالْحَقِيقَةُ مُرَادَةٌ بِالِاتِّفَاقِ، فَيَتَنَحَّى الْمَجَازُ، وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ لِفُلَانٍ دَلِيلُ الْمِلْكِ أَيْضًا. (وَحُجَّتُنَا) فِي ذَلِكَ أَنَّهُ عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى الْإِضَافَةِ إلَى فُلَانٍ، وَمَا يَسْكُنُهُ فُلَانٌ عَارِيَّةً أَوْ إجَارَةً مُضَافٌ إلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ مَا يَسْكُنُهُ بِالْمِلْكِ، أَلَا تَرَى أَنَّك تَقُولُ: بَيْتُ فُلَانٍ وَمَنْزِلُ فُلَانٍ، وَإِنْ كَانَ نَازِلًا فِيهِ بِأَجْرٍ أَوْ عَارِيَّةً، فَكَذَلِكَ مَعَ حَرْفِ اللَّامِ «، فَإِنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حِينَ قَالَ لِرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ: لِمَنْ هَذَا الْحَائِطُ؟ فَقَالَ: لِي اسْتَأْجَرْتُهُ»، لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ إضَافَتَهُ إلَى نَفْسِهِ بِحَرْفِ اللَّامِ، وَلَا يَقُولُ: إنَّهُ إذَا دَخَلَ بَيْتًا هُوَ مِلْكُ فُلَانٍ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِحَقِيقَةِ الْإِضَافَةِ بِالْمِلْكِ لِوُجُودِ الْإِضَافَةِ بِالسُّكْنَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute