مُخْتَلًّا، فَلَا بُدَّ مِنْ قِيَامِ الْمِلْكِ لِفُلَانٍ وَقْتَ الْيَمِينِ لِيَتَنَاوَلَهُ الْيَمِينُ، وَفِي قَوْلِهِ: دَارًا لِفُلَانٍ. الْكَلَامُ تَامٌّ بِدُونِ ذِكْرِ فُلَانٍ، فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ: لَا أَسْكُنُ دَارًا كَانَ مُسْتَقِيمًا، فَذِكْرُ فُلَانٍ لِتَقْيِيدِ الْيَمِينِ بِمَا يَكُونُ مُضَافًا إلَى فُلَانٍ وَقْتَ السُّكْنَى، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ دَارًا لِفُلَانٍ، فَسَكَنَ دَارًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ لَمْ يَحْنَثْ، قَلَّ نَصِيبُ الْآخَرِ أَوْ كَثُرَ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ شَرْطَ الْحِنْثِ وُجُودَ السُّكْنَى فِي دَارٍ يَمْلِكُهَا فُلَانٌ، وَالْمَمْلُوكُ لِفُلَانٍ بَعْضُ هَذِهِ الدَّارِ، وَبَعْضُ الدَّارِ لَا يُسَمَّى دَارًا.
وَإِنْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ دَارًا اشْتَرَاهَا فُلَانٌ، فَسَكَنَ دَارًا اشْتَرَاهَا لِغَيْرِهِ حَنِثَ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لِغَيْرِهِ كَالْمُشْتَرِي لِنَفْسِهِ فِيمَا يَنْبَنِي عَلَى الشِّرَاءِ، أَلَا تَرَى أَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ تَتَعَلَّقُ بِهِ، وَأَنَّهُ يَسْتَغْنِي عَنْ إضَافَةِ الْعَقْدِ إلَى غَيْرِهِ، وَإِنَّمَا رَتَّبَ الْحَالِفُ يَمِينَهُ عَلَى الشِّرَاءِ دُونَ الْمِلْكِ، فَإِنْ قَالَ: أَرَدْت مَا اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ، دِينَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يَدِينُ فِي الْقَضَاءِ إذَا كَانَ يَمِينُهُ بِالطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهُ نَوَى التَّخْصِيصَ فِي اللَّفْظِ الْعَامِّ.
وَإِنْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ بَيْتًا، وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَسَكَنَ بَيْتًا مِنْ شَعْرٍ أَوْ فُسْطَاطًا أَوْ خَيْمَةً، لَمْ يَحْنَثْ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْأَمْصَارِ، وَحَنِثَ إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ؛ لِأَنَّ الْبَيْتَ اسْمٌ لِمَوْضِعٍ يُبَاتُ فِيهِ، وَالْيَمِينُ يَتَقَيَّدُ بِمَا عُرِفَ مِنْ مَقْصُودِ الْحَالِفِ، فَأَهْلُ الْأَمْصَارِ إنَّمَا يَسْكُنُونَ الْبُيُوتَ الْمَبْنِيَّةَ عَادَةً، وَأَهْلُ الْبَادِيَةِ يَسْكُنُونَ الْبُيُوتَ الْمُتَّخَذَةَ مِنْ الشَّعْرِ، فَإِذَا كَانَ الْحَالِفُ بَدْوِيًّا فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ هَذَا مَقْصُودُهُ بِيَمِينِهِ، فَيَحْنَثُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْأَمْصَارِ، وَاسْمُ الْبَيْتِ لِلْمَبْنِيِّ حَقِيقَةً، فَلَا يَخْتَلِفُ فِيهِ حُكْمُ أَهْلِ الْأَمْصَارِ وَأَهْلِ الْبَادِيَةِ؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْبَادِيَةِ يُسَمُّونَ الْبَيْتَ لِلْمَبْنِيِّ حَقِيقَةً، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ سَائِلًا سَأَلَ ابْنَ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ: إنَّ صَاحِبًا لَنَا أَوْجَبَ بَدَنَةً. أَفَتُجْزِي الْبَقَرُ؟ فَقَالَ: مِمَّنْ صَاحِبُكُمْ؟ فَقَالَ: مِنْ بَنِي رِيَاحٍ. قَالَ: وَمَتَى اقْتَنَتْ بَنُو رِيَاحٍ الْبَقَرَ؟ إنَّمَا وُهِمَ صَاحِبُكُمْ الْإِبِلَ. فَدَلَّ أَنَّ عِنْدَ إطْلَاقِ الْكَلَامِ يُعْتَبَرُ عُرْفُ الْمُتَكَلِّمِ فِيمَا يَتَقَيَّدُ بِهِ كَلَامُهُ.
وَإِذَا حَلَفَ لَا يَسْكُنُ بَيْتًا لِفُلَانٍ، فَسَكَنَ صُفَّةً لَهُ حَنِثَ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ بَيْتٌ، إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى الْبُيُوتَ دُونَ الصِّفَافِ، فَيَدِينُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ، وَلَا يَدِينُ فِي الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ نَوَى تَخْصِيصَ اللَّفْظِ الْعَامِّ. مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يَقُولُ: هَذَا الْجَوَابُ بِنَاءً عَلَى عُرْفِ أَهْلِ الْكُوفَةِ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ عِنْدَهُمْ اسْمٌ لِبَيْتٍ يَسْكُنُونَهُ يُسَمَّى صَفًّا، وَمِثْلُهُ فِي دِيَارِنَا يُسَمَّى كَشَأْنِهِ، فَأَمَّا الصِّفَةُ فِي عُرْفِ دِيَارِنَا غَيْرُ الْبَيْتِ فَلَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْبَيْتِ، بَلْ يُنْفَى عَنْهُ، فَيُقَالُ: هَذَا صِفَةٌ وَلَيْسَ بِبَيْتٍ فَلَا يَحْنَثُ. قَالَ: وَالْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّ مُرَادَهُ حَقِيقَةُ مَا نُسَمِّيهِ الصِّفَةَ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْبَيْتَ اسْمٌ لِمَبْنًى مُسَقَّفٍ مَدْخَلُهُ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ لِلْبَيْتُوتَةِ فِيهِ، وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي الصِّفَةِ، إلَّا أَنَّ مَدْخَلَهُ أَوْسَعُ مِنْ مَدْخَلِ الْبُيُوتِ الْمَعْرُوفَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute