هُوَ وَارِثُهُ فَإِقْرَارُهُ فِيمَا يَخْلُفُ الْمَيِّتَ بِمَنْزِلَةِ إقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ ابْتِدَاءً.
وَلَوْ أَقَرَّ بِالْعَبْدِ كُلِّهِ لِفُلَانٍ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ هُوَ لِفُلَانٍ فَإِنَّهُ لِلْأَوَّلِ وَلَا شَيْءَ لِلْآخَرِ إلَّا أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى الْأَوَّلِ بِغَيْرِ قَضَاءٍ فَحِينَئِذٍ يَضْمَنُ لِلْآخَرِ قِيمَتَهُ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذِهِ الْفُصُولَ فِي إقْرَارِهِ بِالْغَصْبِ الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ فِيمَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَاخْتَلَفُوا فِيهِ.
وَلَوْ كَانَتْ دَابَّةٌ فِي يَدَيْ رَجُلٍ، فَقَالَ اسْتَوْدَعَنِي فُلَانٌ نِصْفَ هَذِهِ الدَّابَّةِ، ثُمَّ قَالَ اسْتَوْدَعَنِي فُلَانٌ نِصْفَ هَذِهِ الدَّابَّةِ، ثُمَّ قَالَ اسْتَوْدَعَنِي فُلَانٌ آخَرُ نِصْفَ هَذِهِ الدَّابَّةِ فَيَنْصَرِفُ مُطْلَقُ إقْرَارِهِ إلَى ذَلِكَ، ثُمَّ يَضْمَنُ لِلثَّالِثِ نِصْفَ قِيمَتِهَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا دَفَعَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ إلَى الْأَوَّلَيْنِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - سَوَاءٌ دَفَعَ بِغَيْرِ قَضَاءٍ أَوْ بِقَضَاءٍ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِيمَا سَبَقَ فِي دَارٍ فِي يَدِ رَجُلٍ، ثُمَّ أَقَامَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهَا لَهُ وَأَقَامَ ذُو الْيَدِ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْمُدَّعِيَ أَقَرَّ أَنَّهَا لَهُ فَالثَّابِتُ مِنْ الْإِقْرَارَيْنِ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ فَيَتَغَايَرَانِ لِلتَّعَارُضِ فَتَبْقَى الدَّارُ فِي يَدِهِ عَلَى مَا كَانَ، وَإِنْ شَهِدَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ جَازَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى أَلْفٍ، وَإِنْ ادَّعَى الْمُدَّعِي أَكْثَرَ الْمَالَيْنِ لِاتِّفَاقِ الشَّاهِدَيْنِ عَلَى أَلْفٍ لَفْظًا وَمَعْنًى. وَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِأَلْفٍ وَالْآخَرُ بِأَلْفَيْنِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ هُنَا لِاخْتِلَافِ الشَّاهِدَيْنِ فِي اللَّفْظِ وَهِيَ مَسْأَلَةٌ دَوَّارَةٌ فِي الْكُتُبِ مَعْرُوفَةٌ بَيَّنَّاهَا فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ.
وَإِنْ شَهِدَا عَلَى أَنَّهُ أَقَرَّ بِأَلْفٍ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا كُنَّا جَمِيعًا، وَقَالَ الْآخَرُ كُنْت وَحْدِي فَالشَّهَادَةُ جَائِزَةٌ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ قَوْلٌ يُعَادُ وَيُكَرَّرُ وَيَكُونُ الثَّانِي هُوَ الْأَوَّلُ فَبِهَذَا لَا يَخْتَلِفُ الْمَشْهُودُ بِهِ. وَلَوْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَقَالَ قَدْ أَخَذْت مِنْهَا شَيْئًا فَقَدْ أَقَرَّ بِهَا؛ لِأَنَّ الْهَاءَ وَالْأَلِفَ فِي قَوْلِهِ مِنْهَا كِنَايَةٌ عَنْ الْأَلْفِ فَكَأَنَّهُ قَالَ قَدْ أَخَذْتُ مِنْ الْأَلْفِ الَّتِي لَكَ عَلَيَّ شَيْئًا. وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ كَمْ وَزْنُهَا أَوْ مَتَى حِلُّهَا أَوْ مَا ضَرْبُهَا أَوْ قَدْ بَرِئْتُ إلَيْكَ مِنْهَا أَوْ قَدْ أَدَّيْتُهَا إلَيْكَ فَهَذَا كُلُّهُ إقْرَارٌ بِأَلْفٍ لِمَا بَيَّنَّا.
وَلَوْ قَالَ قَدْ بَرِئْتُ إلَيْكَ مِنْ كُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ كَانَ لَكَ عَلَيَّ لَمْ يَكُنْ هَذَا إقْرَارًا بِالْأَلْفِ، وَلَكِنَّهُ إقْرَارٌ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ الْإِيفَاءُ فَيَتَضَمَّنُ الْإِقْرَارُ بِشَيْءٍ مَجْهُولِ الْجِنْسِ وَالْقَدْرِ فَيَكُونُ مُجْبَرًا عَلَى بَيَانِهِ، وَإِذَا بَيَّنَهُ يَحْلِفُ الطَّالِبُ مَا قَبَضَهُ مِنْهُ وَيَحْلِفُ الْمَطْلُوبُ مَا عَلَيْهِ غَيْرُ هَذَا؛ لِأَنَّ الطَّالِبَ يَدَّعِي عَلَيْهِ زِيَادَةً، وَهُوَ لِذَلِكَ مُنْكِرٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[بَابُ الْإِقْرَارِ بِمَا قَبَضَهُ مِنْ غَيْرِهِ]
(قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) وَإِذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ أَنَّهُ أَخَذَ ثَوْبًا مِنْ دَارٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ فَادَّعَى عَلَيْهِ الشَّرِيكُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute