يَجِئْ فِيهِ إحْلَالٌ إلَّا أَنْ فِيهِ رُخْصَةً، فَأَبَى أَنْ يَأْخُذَ بِالرُّخْصَةِ حَتَّى قُتِلَ، فَهُوَ فِي سَعَةٍ؛ لِأَنَّ هَذَا إغْرَارٌ بِالدِّينِ، وَلَيْسَ فِي الْأَوَّلِ إغْرَارٌ بِالدِّينِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ مُحْرِمًا لَوْ اُضْطُرَّ إلَى مَيْتَةٍ، وَإِلَى ذَبْحِ صَيْدٍ حَلَّ لَهُ عِنْدَنَا أَكْلُ الْمَيْتَةِ، وَلَمْ يَحِلَّ لَهُ ذَبْحُ الصَّيْدِ مَا دَامَ يَجِدُ الْمَيْتَةَ؛ لِأَنَّ الْمَيْتَةَ حَلَالٌ فِي حَالِ الضَّرُورَةِ، وَالصَّيْدُ جَاءَ تَحْرِيمُهُ عَلَى الْمُحْرِمِ جُمْلَةً، وَلِأَنَّهُ لَوْ ذَبَحَ الصَّيْدَ صَارَ مَيْتَةً أَيْضًا، فَيَصِيرُ هُوَ جَامِعًا بَيْنَ ذَبْحِ الصَّيْدِ وَتَنَاوُلِ الْمَيْتَةِ وَإِذَا تَنَاوَلَ الْمَيْتَةَ كَانَ مُمْتَنِعًا مِنْ الْجِنَايَةِ عَلَى إحْرَامِهِ بِقَتْلِ الصَّيْدِ وَالْحِلُّ لِأَجْلِ الضَّرُورَةِ فَإِنْ كَانَتْ الضَّرُورَةُ تَرْتَفِعُ بِأَحَدِهِمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا.
وَلَوْ قِيلَ لِرَجُلٍ دُلَّنَا عَلَى مَالِكَ أَوْ لَنَقْتُلَنَّكَ فَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى قُتِلَ لَمْ يَكُنْ آثِمًا لِأَنَّهُ قَصَدَ الدَّفْعَ عَنْ مَالِهِ وَذَلِكَ عَزِيمَةٌ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مِنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» وَلِأَنَّ فِي دَلَالَتِهِ إيَّاهُمْ عَلَيْهِ إعَانَةٌ لَهُمْ عَلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: ٢] فَلِهَذَا يَسَعُهُ أَنْ لَا يَدُلَّهُمْ وَإِنْ دَلَّهُمْ حَتَّى أَخَذُوهُ ضَمِنُوا لَهُ لِأَنَّ بِدَلَالَتِهِ لَا يَخْرُجُونَ مِنْ أَنْ يَكُونُوا غَاصِبِينَ لِمَالِهِ مُتْلِفِينَ فَعَلَيْهِمْ الضَّمَانُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
[بَابُ اللِّعَانِ الَّذِي يَقْضِي بِهِ الْقَاضِي ثُمَّ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ بَاطِلٌ.]
(قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) وَإِذَا ادَّعَتْ امْرَأَةٌ عَلَى زَوْجِهَا قَذْفًا وَجَحَدَهُ الرَّجُلُ فَأَقَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ بِذَلِكَ وَزُكُّوا فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ وَأَمَرَ الْقَاضِي الزَّوْجَ أَنْ يُلَاعِنَهَا فَأَبَى أَنْ يَفْعَلَ وَقَالَ لَمْ أَقْذِفْهَا وَقَدْ شَهِدُوا عَلَيَّ بِالزُّورِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُجْبِرُهُ عَلَى اللِّعَانِ وَيَحْبِسُهُ حَتَّى يُلَاعِنَ لِأَنَّهُ مُمْتَنِعٌ مِنْ إيفَاءِ مَا هُوَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ فَيَحْبِسُهُ لِأَجْلِهِ وَلَا يَضْرِبُهُ الْحَدَّ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي الطَّلَاقِ فَإِنْ حَبَسَهُ حَتَّى يُلَاعِنَ أَوْ هَدَّدَهُ بِالْحَبْسِ حَتَّى يُلَاعِنَ وَقَالَ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ أَنِّي لَمِنْ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا قَالَهُ أَرْبَعُ مَرَّاتٍ ثُمَّ قَالَ وَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيَّ إنْ كُنْت مِنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَيْتهَا بِهِ مِنْ الزِّنَا وَالْتَعَنَتْ الْمَرْأَةُ أَيْضًا وَفَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ الشُّهُودَ عَبِيدٌ أَوْ مَحْدُودُونَ فِي قَذْفٍ أَوْ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُمْ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُبْطِلُ اللِّعَانَ الَّذِي كَانَ بَيْنَهُمَا وَيُبْطِلُ الْفُرْقَةَ وَيَرُدُّهَا إلَيْهِ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ قَضَى بِغَيْرِ حُجَّةٍ وَالْقَضَاءُ بِغَيْرِ حُجَّةٍ بَاطِلٌ مَرْدُودٌ وَلَا يُقَالُ فَقَدْ أَقَرَّ بِالْقَذْفِ بِالزِّنَا فِي شَهَادَاتِ اللِّعَانِ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ بِإِكْرَاهٍ مِنْ الْقَاضِي إيَّاهُ عَلَى ذَلِكَ وَالْإِكْرَاهُ بِالْحَبْسِ يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ.
(أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ هَدَّدَهُ بِالْحَبْسِ عَلَى أَنْ يُقِرَّ بِأَنَّهُ قَذَفَ هَذَا الرَّجُلَ فَأَقَرَّ بِذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ بِهَذَا الْإِقْرَارِ شَيْءٌ فَكَذَلِكَ هُنَا فَإِنْ قِيلَ ذَاكَ إكْرَاهٌ بِالْبَاطِلِ وَهَذَا إكْرَاهٌ بِحَقٍّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute