وَالْإِشَارَةِ، فَبِالْإِكْرَاهِ بِالْحَبْسِ أَوْلَى.
وَلَوْ كَانَا حَلَالَيْنِ فِي الْحَرَمِ، وَقَدْ تَوَعَّدَهُ بِقَتْلٍ كَانَتْ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْمُكْرِه؛ لِأَنَّ جَزَاءَ الصَّيْدِ فِي حُكْمِ ضَمَانِ الْمَالِ، وَلِهَذَا لَا يَتَأَدَّى بِالصَّوْمِ، فَلَا تَجِبُ بِالدَّلَالَةِ، وَلَا تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْفَاعِلِينَ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ وُجُوبَهَا بِاعْتِبَارِ حُرْمَةِ الْمَحَلِّ، فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ ضَمَانِ الْمَالِ، وَذَلِكَ عَلَى الْمُكْرِهِ دُونَ الْمُكْرَهِ عِنْدَ التَّهْدِيدِ بِالْقَتْلِ، وَإِنْ تَوَعَّدَهُ بِالْحَبْسِ كَانَتْ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْقَاتِلِ خَاصَّةً بِمَنْزِلَةِ ضَمَانِ الْمَالِ، وَبِمَنْزِلَةِ الْكَفَّارَةِ فِي قَتْلِ الْآدَمِيِّ خَطَأً.
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا وَجَبَ عَلَيْهِ أَمْرٌ بِمَعْرُوفٍ، أَوْ نَهْيٌ عَنْ مُنْكِرٍ، فَخَافَ إنْ، فَعَلَ أَنْ يُقْتَلَ وَسِعَهُ أَنْ لَا يَفْعَلَ، وَإِنْ فَعَلَ، فَقُتِلَ كَانَ مَأْجُورًا؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ، فَرْضٌ مُطْلَقًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {، وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} [لقمان: ١٧] الْآيَةَ، وَالتَّرْكُ عِنْدَ خَوْفِ الْهَلَاكِ رُخْصَةٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} [آل عمران: ٢٨]، فَإِنْ تَرَخَّصَ بِالرُّخْصَةِ كَانَ فِي سَعَةٍ، وَإِنْ تَمَسَّك بِالْعَزِيمَةِ كَانَ مَأْجُورًا.
وَذَكَرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ أَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَحْمِلَ عَلَى جَمْعٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَنْكِي فِيهِمْ، وَأَنَّهُ يُقْتَلُ لَمْ يَسَعْهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ مُلْقِيًا نَفْسَهُ فِي التَّهْلُكَةِ مِنْ غَيْرِ، فَائِدَةٍ، وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَمْنَعَ قَوْمًا مِنْ، فَسَقَةِ الْمُسْلِمِينَ عَنْ مُنْكِرٍ اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُمْ لَا يَمْتَنِعُونَ بِسَبَبِهِ، وَأَنَّهُمْ يَقْتُلُونَهُ، فَإِنَّهُ يَسَعُهُ الْإِقْدَامُ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ يَعْتَقِدُونَ الْإِسْلَامَ فَزَجْرُهُ إيَّاهُمْ يُؤَثِّرُ فِيهِمْ اعْتِقَادًا لَا مَحَالَةَ، وَأُولَئِكَ غَيْرُ مُعْتَقِدِينَ، فَالشَّرْطُ أَنْ يَنْكِيَ فِعْلُهُ فِيهِمْ حِسًّا، فَإِذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ لَا يَسَعُهُ الْإِقْدَامُ.
وَلَوْ أُكْرِهَ بِالْقَتْلِ عَلَى أَنْ يَزْنِيَ لَمْ يَسَعْهُ أَنْ يَفْعَلَ، فَإِنْ فَعَلَ، وَكَانَ مُحْرِمًا فَسَدَ إحْرَامُهُ، وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ دُونَ الَّذِي أَكْرَهَهُ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ فِعْلَهُ جِنَايَةٌ عَلَى إحْرَامِهِ وَهُوَ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى إحْرَامِهِ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ آلَةً لِغَيْرِهِ وَلَوْ أُكْرِهَتْ امْرَأَةٌ مُحْرِمَةٌ بِالْقَتْلِ عَلَى الزِّنَا، وَسِعَهَا أَنْ تُمُكِّنَ مِنْ نَفْسِهَا، وَقَدْ بَيَّنَّا الْفَرْقَ بَيْنَ جَانِبِهَا، وَجَانِبِ الرَّجُلِ فِي حُكْمِ الْإِثْمِ، فَأَمَّا فَسَادُ الْإِحْرَامِ فَلَا فَرْقَ حَتَّى يَفْسُدَ إحْرَامُهَا، وَيَجِبُ عَلَيْهَا الْكَفَّارَةُ دُونَ الْمُكْرِهِ؛ لِأَنَّ تَمْكِينهَا مِنْ نَفْسِهَا جِنَايَةٌ عَلَى إحْرَامِهَا، وَهِيَ لَا تَصْلُحْ فِي ذَلِكَ آلَةً لِلْمُكْرِهِ، وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ حَتَّى تُقْتَلَ، فَهِيَ فِي سَعَةٍ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الزِّنَا، وَالْجِمَاعِ فِي حَالَةِ الْإِحْرَامِ حُرْمَةٌ مُطْلَقَةٌ فَهِيَ فِي الِامْتِنَاعِ تَتَمَسَّكُ بِالْعَزِيمَةِ، وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ مِنْ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ، أَوْجَبْنَا الْكَفَّارَةَ عَلَى الْمُكْرَهِ لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُكْرِهِ؛ لِأَنَّهُ أَلْزَمهُ كَفَّارَةً يَفِي بِهَا، وَلَوْ رَجَعَ بِهَا عَلَيْهِ يُقْضَى بِهَا عَلَيْهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِأَكْثَرَ مِمَّا الْتَزَمَهُ، وَكُلُّ أَمْرٍ أَحَلَّهُ اللَّهُ تَعَالَى مِثْلَ مَا أَحَلَّ فِي الضَّرُورَةِ مِنْ الْمَيْتَةِ، وَغَيْرِهَا، وَالْفِطْرِ فِي الْمَرَضِ، وَالسَّفَرِ، فَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى مَاتَ، أَوْ قُتِلَ، فَهُوَ آثِمٌ، وَكُلُّ أَمْرٍ حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute