للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عِنْدَ الضَّرُورَةِ، فَإِنْ تَرَخَّصَ بِالرُّخْصَةِ كَانَ فِي سَعَةٍ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ تَمَسَّك بِالْعَزِيمَةِ، فَهُوَ أَفْضَلُ لَهُ، فَإِنْ قَتَلَ الصَّيْدَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْقِيَاسِ، وَلَا عَلَى الَّذِي أَمَرَهُ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ عَلَى الْقَاتِلِ الْكَفَّارَةُ أَمَّا الْآمِرُ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ حَلَالٌ لَوْ بَاشَرَ قَتْلَ الصَّيْدِ بِيَدِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، فَكَذَلِكَ إذَا أَكْرَهَ عَلَيْهِ غَيْرَهُ، وَأَمَّا الْمُحْرِمُ، فَفِي الْقِيَاسِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ آلَةً لِلْمُكْرِهِ بِالْإِلْجَاءِ التَّامِّ، فَيَنْعَدِمُ الْفِعْلُ فِي جَانِبِهِ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّ فِي قَتْلِ الْمُسْلِمِ لَا يَكُونُ هُوَ ضَامِنًا شَيْئًا لِهَذَا الْمَعْنَى، وَإِنْ كَانَ لَا يَسَعُهُ الْإِقْدَامُ عَلَى الْقَتْلِ، فَفِي قَتْلِ الصَّيْدِ أَوْلَى، وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ قَتْلَ الصَّيْدِ مِنْهُ جِنَايَةٌ عَلَى إحْرَامِهِ وَهُوَ بِالْجِنَايَةِ عَلَى إحْرَامِ نَفْسِهِ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ آلَةً لِغَيْرِهِ فَأَمَّا قَتْلُ الْمُسْلِمِ، فَجِنَايَةٌ عَلَى الْمَحَلِّ، وَهُوَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ آلَةً لِلْمُكْرِهِ فِي ذَلِكَ حَتَّى إنَّ فِي حَقِّ الْآثِمِ لَمَّا كَانَ ذَلِكَ جِنَايَةً عَلَى حَقِّ دِينِهِ، وَهُوَ لَا يَصْلُحُ آلَةً لِغَيْرِهِ فِي ذَلِكَ اقْتَصَرَ الْفِعْلُ عَلَيْهِ فِي حَقِّ الْآثِمِ: تَوْضِيحُهُ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَجِبْ عَلَى الْآمِرِ هُنَا شَيْءٌ، فَلَوْ لَمْ نُوجِبْ الْكَفَّارَةَ عَلَى الْقَاتِلِ كَانَ تَأْثِيرُ الْإِكْرَاهِ فِي الْإِهْدَارِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لِلْإِكْرَاهِ فِي الْإِهْدَارِ، وَلَا فِي تَبْدِيلِ مَحَلِّ الْجِنَايَةِ، وَإِنْ كَانَا مُحْرِمَيْنِ جَمِيعًا، فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفَّارَةٌ أَمَّا عَلَى الْمُكْرِهِ، فَلِأَنَّهُ لَوْ بَاشَرَ قَتْلَ الصَّيْدِ بِيَدِهِ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ، فَكَذَلِكَ إذَا بَاشَرَ بِالْإِكْرَاهِ، وَأَمَّا الْمُكْرَهُ، فَلِأَنَّهُ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى إحْرَامِ نَفْسِهِ لَا يَصْلُحُ آلَةً لِغَيْرِهِ.

يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ هُنَا إلَى نِسْبَةِ أَصْلِ الْفِعْلِ إلَى الْمُكْرِهِ فِي إيجَابِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ، فَكَفَّارَةُ الصَّيْدِ تَجِبُ عَلَى الْمُحْرِمِ بِالدَّلَالَةِ، وَالْإِشَارَةِ، وَإِنْ لَمْ يَصِرْ أَصْلُ الْفِعْلِ مَنْسُوبًا إلَيْهِ، فَكَذَلِكَ هُنَا، وَبِهِ فَارَقَ كَفَّارَةَ الْقَتْلِ إذَا كَانَ خَطَأً، أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ، فَإِنَّهُ يَكُونُ عَلَى الْمُكْرَهِ دُونَ الْمُكْرِهِ بِمَنْزِلَةِ ضَمَانِ الدِّيَةِ، وَالْقِصَاصِ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْكَفَّارَةَ لَا تَجِبُ إلَّا بِمُبَاشَرَةِ الْقَتْلِ، وَمِنْ ضَرُورَةِ نِسْبَةِ الْمُبَاشَرَةِ إلَى الْمُكْرَهِ أَنْ لَا يَبْقَى فِعْلٌ فِي جَانِبِ الْمُكْرِهِ، وَهُنَا وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ لَا يَعْتَمِدُ مُبَاشَرَةَ الْقَتْلِ، فَيَجُوزُ إيجَابُهُ عَلَى الْمُكْرَهِ بِالْمُبَاشَرَةِ وَعَلَى الْمُكْرِهِ بِالتَّسْبِيبِ، وَلِأَنَّ السَّبَبَ هُنَا الْجِنَايَةُ عَلَى الْإِحْرَامِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَانٍ عَلَى إحْرَامِ نَفْسِهِ، فَأَمَّا هُنَاكَ، فَالسَّبَبُ هُوَ الْجِنَايَةُ عَلَى الْمَحَلِّ، وَالْمَحَلُّ وَاحِدٌ، فَإِذَا أَوْجَبْنَا الْكَفَّارَةَ بِاعْتِبَارِهَا عَلَى الْمُكْرَهِ قُلْنَا: لَا يَجِبُ عَلَى الْمُكْرِهِ، وَلَوْ تَوَعَّدَهُ بِالْحَبْسِ، وَهُمَا مُحْرِمَانِ، فَفِي الْقِيَاسِ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَى الْقَاتِلِ دُونَ الْآمِرِ؛ لِأَنَّ قَتْلَ الصَّيْدِ فِعْلٌ، وَلَا أَثَرَ لِلْإِكْرَاهِ بِالْحَبْسِ فِي الْأَفْعَالِ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْجَزَاءُ أَمَّا عَلَى الْقَاتِلِ، فَلَا يَشْكُلُ، وَأَمَّا عَلَى الْمُكْرَهِ فَلِأَنَّ تَأْثِيرَ الْإِكْرَاهِ بِالْحَبْسِ أَكْثَرُ مِنْ تَأْثِيرِ الدَّلَالَةِ، وَالْإِشَارَةِ، وَإِذَا كَانَ الْجَزَاءُ يَجِبُ عَلَى الْمُحْرِمِ بِالدَّلَالَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>