[بَابُ الْكِسْوَةِ]
(قَالَ) - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَإِذَا حَلَفَ لَا يَشْتَرِي ثَوْبًا وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَاشْتَرَى كِسَاءَ خَزٍّ أَوْ طَيْلَسَانًا أَوْ فَرْوًا أَوْ قَبَاءً أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَلْبَسُ النَّاسُ حَنِثَ؛ لِأَنَّ اسْمَ الثَّوْبِ حَقِيقَةٌ لِهَذَا وَيَنْطَلِقُ عَلَيْهِ عُرْفًا، وَإِنْ اشْتَرَى مِسْحًا أَوْ بِسَاطًا لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ اسْمَ الثَّوْبِ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ عَادَةً وَإِنَّمَا يُطْلَقُ عَلَى مَلْبُوسِ بَنِي آدَمَ، وَفِي الْأَيْمَانِ لِلْعَادَةِ عِبْرَةٌ.
وَلَوْ اشْتَرَى قَلَنْسُوَةً لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِثَوْبٍ فَالثَّوْبُ مَا يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ وَتَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهِ وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى خِرْقَةً لَا تَكُونُ أَيْ لَا تَبْلُغُ نِصْفَ ثَوْبٍ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ وَلَا يَتَأَدَّى بِهِ الْكِسْوَةُ فِي الْكَفَّارَةِ وَإِنْ اشْتَرَى أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الثَّوْبِ حَنِثَ؛ لِأَنَّ اسْمَ الثَّوْبِ يَنْطَلِقُ عَلَى أَكْثَرِ الثَّوْبِ وَلِأَنَّهُ يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ وَكَذَلِكَ إنْ اشْتَرَى ثَوْبًا صَغِيرًا حَنِثَ وَمُرَادُهُ مَا يَكُونُ إزَارًا أَوْ سَرَاوِيلَ يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ وَتَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهِ وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا فَلَوْ سَمَّى ثَوْبًا بِعَيْنِهِ وَلَبِسَ مِنْهُ طَائِفَةً يَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِهِ حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ يُسَمَّى لَابِسًا لَهُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَلْبَسُ الرِّدَاءَ وَبَعْضُ جَوَانِبِهِ عَلَى الْأَرْضِ
وَإِنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا بِعَيْنِهِ فَاِتَّخَذَ مِنْهُ جُبَّةً وَحَشَاهَا وَلَبِسَهَا حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ شَرْطَ حِنْثِهِ لُبْسُ الْعَيْنِ وَعَقَدَ الْيَمِينَ بِاسْمِ الثَّوْبِ وَالثَّوْبُ بَاقٍ بَعْدَ مَا اتَّخَذَ مِنْهُ الْجُبَّةَ فَإِنَّ لَابِسَ الْجُبَّةِ يُسَمَّى لَابِسًا لِلثَّوْبِ بِخِلَافِ مَا لَوْ حَلَفَ عَلَى قَمِيصٍ لَا يَلْبَسُهُ أَبَدًا فَجَعَلَ مِنْهُ قَبَاءً فَلَبِسَهُ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ عَقَدَ الْيَمِينَ بِاسْمِ الْقَمِيصِ وَلَا يَبْقَى هَذَا الِاسْمُ بَعْدَ مَا جَعَلَهُ قَبَاءً أَلَا تَرَى أَنَّ لَابِسَ الْقَبَاءِ لَا يُسَمَّى لَابِسًا لِلْقَمِيصِ؟
وَإِنْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ مِنْ غَزْلِ فُلَانَةَ شَيْئًا فَلَبِسَ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِهَا حَنِثَ؛ لِأَنَّ لُبْسَ الْغَزْلِ هَكَذَا يَكُونُ فِي الْعَادَةِ وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الثَّوْبَ غَيْرُ الْغَزْلِ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ غَصَبَ غَزْلًا فَنَسَجَهُ كَانَ الثَّوْبُ لَهُ؟ وَلَكِنَّهُ تَرَكَ هَذَا الْقِيَاسَ لِلْعُرْفِ فَإِنَّ أَحَدًا لَا يَلُفُّ الْغَزْلَ عَلَى نَفْسِهِ هَكَذَا، وَلَوْ فَعَلَهُ لَا يُسَمَّى لَابِسًا ثَوْبًا وَإِنَّمَا يُسَمَّى لَابِسًا لِلْغَزْلِ، وَإِنْ نَوَى الْغَزْلَ بِعَيْنِهِ قَبْلَ أَنْ يُنْسَجَ لَمْ يَحْنَثْ إذَا لَبِسَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute