للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْ بِإِسْلَامِ نَفْسِهِ بِأَنْ عَقَلَ فَأَسْلَمَ كَانَ إذْنُ الْأَبِ الذِّمِّيِّ لَهُ بَاطِلًا؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لِلذِّمِّيِّ عَلَى الْمُسْلِمِ فَصِحَّةُ إذْنِهِ بِاعْتِبَارِ وِلَايَتِهِ فَإِنْ أَسْلَمَ الْأَبُ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ الْإِذْنُ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مِنْهُ قَبْلَ ثُبُوتِ وَلَايَتِهِ عَلَيْهِ وَلَا يَنْفُذُ بِوَلَايَتِهِ الَّتِي تَحْدُثُ مِنْ بَعْدُ كَالْأَبِ إذَا كَانَ مَمْلُوكًا فَأَذِنَ لِوَلَدِهِ الْحُرِّ، ثُمَّ عَتَقَ لَمْ يُنَفَّذْ ذَلِكَ الْإِذْنُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[بَابُ الْعَبْدِ بَيْنَ رَجُلَيْنِ يَأْذَنُ لَهُ أَحَدُهُمَا]

(قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -): وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَأَذِنَ لَهُ أَحَدُهُمَا فِي التِّجَارَةِ فَبَاعَ وَاشْتَرَى فَلَحِقَهُ دَيْنٌ فَذَلِكَ كُلُّهُ جَائِزٌ فِي نَصِيبِ الَّذِي أَذِنَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ فَكٌّ لِلْحَجْرِ وَذَلِكَ لَا يَحْتَمِلُ الْوَصْفَ بِالتَّجَزِّي وَلَا يُتَصَوَّرُ انْفِكَاكُ الْحَجْرِ فِي نِصْفِ التَّصَرُّفِ دُونَ النِّصْفِ وَلَا بُدَّ مِنْ تَصْحِيحِ هَذَا الْفَكِّ فِي نَصِيبِ الْآذِنِ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مِنْهُ فِي مِلْكِهِ وَاسِقَاطٌ لِحَقِّهِ فِي الْمَنْعِ مِنْ شَغْلِ مَالِيَّةِ نَصِيبِهِ بِالدَّيْنِ، وَالْإِسْقَاطُ يَتِمُّ بِالْمُسْقَطِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ إذْنَ الْمَوْلَى إنَّمَا يُشْتَرَطُ لِوُجُودِ الرِّضَا مِنْهُ بِتَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِمَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ وَهَذَا الرِّضَى مِنْ الْآذِنِ الْآنَ صَحِيحٌ فِي نَصِيبِ نَفْسِهِ دُونَ نَصِيبِ صَاحِبِهِ وَيَجُوزُ اسْتِحْقَاقُ مَالِيَّةِ الرَّقَبَةِ بِالدَّيْنِ كَمَا يَجُوزُ اسْتِحْقَاقُ جَمِيعِهِ فَكَانَ هَذَا مُحْتَمَلًا لِلْوَصْفِ بِالتَّجَزِّي فَيَثْبُتُ فِي نَصِيبِ الْآذِنِ خَاصَّةً، وَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِ مَالٌ أَصَابَهُ مِنْ تِجَارَتِهِ فَقَالَ الَّذِي لَمْ يَأْذَنْ لَهُ أَنَا آخُذُ نِصْفَ هَذَا الْمَالِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَلَكِنْ يُعْطَى مِنْهُ جَمِيعُ دَيْنِ الْغُرَمَاءِ؛ لِأَنَّ حَاجَةَ الْعَبْدِ مِنْ كَسْبِهِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى حَاجَةِ الْمَوْلَى وَاَلَّذِي وَجَبَ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ هَهُنَا بِسَبَبٍ ظَهَرَ فِي حَقِّ الْمَوْلَى فَيُقَدَّمُ مِنْ كَسْبِهِ قَضَاءُ الدَّيْنِ عَلَى حَقِّ الْمَوْلَى فَإِنْ بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ شَيْءٌ أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَوْلَيَيْنِ نِصْفَهُ؛ لِأَنَّهُ كَسْبُ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ زَادَ الدَّيْنُ عَلَى مَا فِي يَدَيْهِ كَانَتْ تِلْكَ الزِّيَادَةُ فِي نَصِيبِ الَّذِي أَذِنَ لَهُ خَاصَّةً مِنْ الرَّقَبَةِ لِوُجُودِ الرِّضَا مِنْهُ بِاسْتِحْقَاقِ مَالِيَّةِ نَصِيبِهِ بِالدَّيْنِ وَانْعِدَامِ الرِّضَا بِهِ مِنْ الْآخَرِ وَفَرَّقَ بَيْنَ الْكَسْبِ، وَالرَّقَبَةِ مِنْ حَيْثُ إنَّ نَصِيبَ الَّذِي لَمْ يَأْذَنْ مِنْ الْكَسْبِ مَصْرُوفٌ إلَى الدَّيْنِ دُونَ نَصِيبِهِ مِنْ الرَّقَبَةِ؛ لِأَنَّ الْكَسْبَ يَتَمَلَّكُهُ الْمَوْلَى مِنْ جِهَةِ الْعَبْدِ وَسَلَامَتُهُ لَهُ مُتَعَلِّقَةٌ بِشَرْطِ الْفَرَاغِ مِنْ حَاجَةِ الْعَبْدِ فَمَا لَمْ يَفْرُغْ مِنْ الدَّيْنِ لَا يُسَلَّمُ لَهُ فَأَمَّا الرَّقَبَةُ فَلَمْ تَحْصُلْ لِلْمَوْلَى مِنْ جِهَةِ الْعَبْدِ، وَإِنَّمَا تُسْتَحَقُّ مَالِيَّةُ الرَّقَبَةِ بِالدَّيْنِ عِنْدَ وُجُودِ الرِّضَا مِنْ الْمَوْلَى يَصْرِفُهُ إلَى دُيُونِهِ وَلَمْ يُوجَدْ يُوَضِّحُهُ أَنَّ الدَّيْنَ إنَّمَا لَحِقَهُ بِسَبَبِ الَّذِي حَصَلَ بِهِ الْكَسْبُ، وَالْغُنْمُ مُقَابَلٌ بِالْغُرْمِ فَكَمَا يَكُونُ نِصْفُ الْكَسْبِ لِلَّذِي.

<<  <  ج: ص:  >  >>