{فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ} [البقرة: ١٩٦] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ شَاةٌ.
وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ: «اشْتَرَكْنَا حِينَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْبَقَرَةِ سَبْعَةٌ، وَفِي الْبَدَنَةِ سَبْعَةٌ، وَفِي الشَّاةِ وَاحِدٌ»، وَالْبَقَرَةُ أَفْضَلُ مِنْ الشَّاةِ، وَالْجَزُورُ أَفْضَلُ مِنْ الْبَقَرَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ} [الحج: ٣٢] فَمَا كَانَ أَقْرَبَ فِي التَّعْظِيمِ فَذَلِكَ أَفْضَلُ، وَقَدْ «نَحَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِائَةَ بَدَنَةٍ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ»، وَلَوْ كَانَ سَاقَ هَدَايَاهُ مَعَ نَفْسِهِ كَانَ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَاقَ الْهَدَايَا مَعَ نَفْسِهِ وَقَلَّدَهَا، وَهَكَذَا قَالَتْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -: «كُنْت أَفْتِلُ قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَلَّدَهَا بِيَدِهِ» «، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَمَا إنِّي قَلَّدْت هَدْيِي وَلَبَّدْتُ رَأْسِي فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا».
وَفِي رِوَايَةٍ «فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ»، وَلِهَذِهِ الرِّوَايَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تَحَلُّلُ الْقَارِنِ بِالذَّبْحِ لَا بِالْحَلْقِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ التَّحَلُّلُ يَحْصُلُ بِالْحَلْقِ كَمَا فِي حَقِّ الْمُفْرِدِ، وَتَأْوِيلُ الْحَدِيثِ حَتَّى أَنْحَرَ، ثُمَّ أَحْلِقَ بَعْدَهُ عَلَى مَا رَوَيْنَا أَنَّهُ حَلَقَ رَأْسَهُ بَعْدَ ذَبْحِ الْهَدَايَا، وَلِأَنَّ التَّحَلُّلَ مِنْ الْعِبَادَةِ بِمَا لَا يَحِلُّ فِي أَثْنَائِهَا كَالسَّلَامِ فِي الصَّلَاةِ، وَذَلِكَ بِالْحَلْقِ أَوْ التَّقْصِيرِ دُونَ الذَّبْحِ
(قَالَ) وَإِذَا طَافَ الرَّجُلُ بَعْدَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ طَوَافًا يَنْوِي بِهِ التَّطَوُّعَ أَوْ طَوَافَ الصَّدَرِ، وَذَلِكَ بَعْدَمَا حَلَّ النَّفْرُ فَهُوَ طَوَافُ الصَّدَرِ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِهِ فِي وَقْتِهِ فَيَكُونُ عَنْهُ، وَإِنْ نَوَى غَيْرَهُ كَمَنْ نَوَى بِطَوَافِ الزِّيَارَةِ يَوْمَ النَّحْرِ التَّطَوُّعَ يَكُونُ لِلزِّيَارَةِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ ذَلِكَ رُكْنٌ، وَهَذَا وَاجِبٌ.
(قَالَ) وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُقِيمَ بَعْدَ ذَلِكَ مَا شَاءَ، ثُمَّ يَخْرُجَ وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَكُونَ طَوَافُهُ حِينَ يَخْرُجُ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَالْحَسَنِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى قَالَا إذَا اشْتَغَلَ بِعَمَلِ مَكَّةَ بَعْدَ طَوَافِ الصَّدَرِ يُعِيدُ طَوَافَ الصَّدَرِ؛ لِأَنَّهُ كَاسْمِهِ يَكُونُ لِلصَّدَرِ فَإِنَّمَا يُحْتَسَبُ بِهِ إذَا أَدَّاهُ حِينَ يَصْدُرُ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَلْيَكُنْ آخِرُ عَهْدِهِ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ» يَشْهَدُ لِهَذَا، وَلَكِنَّا نَقُولُ مَا قَدِمَ مَكَّةَ إلَّا لِأَدَاءِ النُّسُكِ فَعِنْدَمَا تَمَّ فَرَاغُهُ مِنْهَا جَاءَ أَوَانُ الصَّدَرِ فَطَوَافُهُ بَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ لِلصَّدَرِ، وَتَأْوِيلُ الْحَدِيثِ أَنَّ آخِرَ نُسُكِهِ طَوَافُ الصَّدَرِ لَا آخِرَ عَمَلِهِ بِمَكَّةَ، وَأَمَّا الْعُمْرَةُ الْمُفْرَدَةُ إذَا أَرَادَهَا يَتَأَهَّبُ لَهَا مِثْلَ مَا وَصَفْنَاهُ فِي الْحَجِّ إذَا أَرَادَ الْإِحْرَامَ بِهَا عِنْدَ الْمِيقَاتِ، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ بِمَكَّةَ، وَأَرَادَ أَنْ يَعْتَمِرَ خَرَجَ مِنْ الْحَرَمِ إلَى الْحِلِّ مِنْ أَيِّ جَانِبٍ شَاءَ، وَأَقْرَبُ الْجَوَانِبِ التَّنْعِيمُ وَعِنْدَهُ مَسْجِدُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَ كُلُّ نِسَائِك يَنْصَرِفْنَ بِنُسُكَيْنِ، وَأَنَا بِنُسُكٍ وَاحِدٍ؟ فَأَمَرَ أَخَاهَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute