بِالنَّسَبِ. .
، وَلَوْ أَكْرَهَ نَصْرَانِيًّا عَلَى الْإِسْلَامِ، فَأَسْلَمَ كَانَ مُسْلِمًا لِوُجُودِ حَقِيقَةِ الْإِسْلَامِ مَعَ الْإِكْرَاهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ بِالتَّصْدِيقِ بِالْقَلْبِ، وَالْإِقْرَارِ بِاللِّسَانِ، وَقَدْ سَمِعْنَا إقْرَارَهُ بِلِسَانِهِ، وَإِنَّمَا يُعَبِّرُ عَمَّا فِي قَلْبِهِ لِسَانُهُ، فَلِهَذَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماَوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} [آل عمران: ٨٣] وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ»، وَقَدْ قَبِلَ مِنْ الْمُنَافِقِينَ مَا أَظْهَرُوا مِنْ الْإِسْلَامِ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُمْ أَظْهَرُوا ذَلِكَ خَوْفًا مِنْ السَّيْفِ، وَهَذَا فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا، فَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ، وَبَيْنَ رَبِّهِ إذَا لَمْ يَكُنْ يَعْتَقِدُ فِيمَا يَقُولُ لَا يَكُونُ مُسْلِمًا، وَالذِّمِّيُّ فِي هَذَا، وَالْحَرْبِيُّ سَوَاءٌ عِنْدَنَا وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا بِاعْتِبَارِ أَنَّ إكْرَاهَ الْحَرْبِيِّ عَلَى الْإِسْلَامِ إكْرَاهٌ بِحَقٍّ، وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ فِيمَا سَبَقَ، وَفَرَّقَ بَيْنَ الْإِكْرَاهِ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَبَيْنَ الْإِكْرَاهِ عَلَى الرِّدَّةِ، وَقَالَ: الرِّدَّةُ إنَّمَا تَحْصُلُ بِتَبْدِيلِ الِاعْتِقَادِ، وَالْإِكْرَاهُ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُبَدِّلٍ لِاعْتِقَادِهِ، فَأَمَّا الْإِسْلَامُ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا، فَإِنَّمَا يَثْبُتُ بِالْإِقْرَارِ بِاللِّسَانِ مَعَ التَّصْدِيقِ بِالْقَلْبِ، وَلَا طَرِيقَ لَنَا إلَى الْوُقُوفِ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ، وَقَدْ سَمِعْنَا إقْرَارَهُ مَعَ الْإِكْرَاهِ، فَلِذَلِكَ حَكَمْنَا بِإِسْلَامِهِ، فَإِنْ رَجَعَ عَنْهُ إلَى النَّصْرَانِيَّةِ أُجْبِرَ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَلَمْ يُقْتَلْ اسْتِحْسَانًا، وَفِي الْقِيَاسِ يُقْتَلُ؛ لِأَنَّهُ بَدَّلَ الدِّينَ، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ، فَاقْتُلُوهُ»، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ لَمَّا لَمْ يَمْنَعْ صِحَّةَ الْإِسْلَامِ كَانَ الْمُكْرَهِ كَالطَّائِعِ فِيهِ، وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ إسْقَاطَ الْقَتْلِ عَنْهُ لِلشُّبْهَةِ الَّتِي فُعِلَتْ؛ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ سِرَّهُ حَقِيقَةً، وَالْأَدِلَّةُ قَدْ تَعَارَضَتْ، فَكَوْنُ الْإِسْلَامِ مِمَّا يَجِبُ اعْتِقَادُهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ مُعْتَقِدٌ، وَالْإِكْرَاهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَقِدٍ بِمَا يَقُولُ، وَتَعَارُضُ الْأَدِلَّةِ شُبْهَةٌ فِي دَرْءِ مَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ، وَهَذَا نَظِيرُ الْقِيَاسِ، وَالِاسْتِحْسَانِ فِي الْمَوْلُودِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إذَا بَلَغَ مُرْتَدًّا يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَلَا يُقْتَلُ اسْتِحْسَانًا، وَاَلَّذِي أَسْلَمَ بِنَفْسِهِ فِي صِغَرِهِ إذَا بَلَغَ مُرْتَدًّا يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَلَا يُقْتَلُ لِلشُّبْهَةِ الْمُتَمَكِّنَةِ فِيهِ بِسَبَبِ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ. - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -.
وَلَوْ كَانَ أَكْرَهَهُ عَلَى الْإِقْرَارِ - بِإِسْلَامٍ مَاضٍ مِنْهُ، فَالْإِقْرَارُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَاذِبٌ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ مِنْ الْإِقْرَارِ بِالْإِسْلَامِ مَاضِيًا، وَكَذَلِكَ لَوْ أُكْرِهَ بِوَعِيدِ تَلَفٍ، أَوْ غَيْرِ تَلَفٍ عَلَى أَنْ يُقِرَّ بِأَنَّهُ لَا قَوْدَ لَهُ قِبَلَ هَذَا الرَّجُلِ، وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ عَلَيْهِ بِهِ، فَالْإِقْرَارُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَاذِبٌ فِيمَا يُقِرُّ بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أُكْرِهَ عَلَى إنْشَاءِ الْعَفْوِ، فَإِنْ أَعَادَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ بِهِ حُكِمَ لَهُ بِالْقَوَدِ؛ لِأَنَّ مَا سَبَقَ مِنْهُ مِنْ الْإِقْرَارِ بِالْعَفْوِ قَدْ بَطَل، فَكَانَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى أَنْ يُقِرَّ بِأَنَّهُ لَمْ يَتَزَوَّجْ هَذِهِ الْمَرْأَةَ، وَأَنَّهُ لَا بَيِّنَةَ لَهُ عَلَيْهَا بِذَلِكَ، أَوْ عَلَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِعَبْدِهِ، وَأَنَّهُ حُرُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute