طُبِخَ فَلَا إشْكَالَ فِيهِ أَنَّهُ غَيْرُ الْمَاءِ.
وَإِنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مَعَ فُلَانٍ شَرَابًا، فَشَرِبَا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ مِنْ شَرَابٍ وَاحِدٍ حَنِثَ، وَإِنْ كَانَ الْإِنَاءُ الَّذِي يَشْرَبَانِ مِنْهُ مُخْتَلِفًا، فَإِنْ شَرِبَ الْحَالِفُ مِنْ شَرَابٍ، وَالْآخَرُ مِنْ شَرَابٍ غَيْرِهِ، وَقَدْ ضَمَّهُمَا مَجْلِسٌ وَاحِدٌ حَنِثَ؛ لِأَنَّ مُرَادَهُ الِامْتِنَاعُ مِنْ مُنَادَمَتِهِ، وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ إذَا جَمَعَهُمَا مَجْلِسٌ وَاحِدٌ سَوَاءٌ كَانَ الشَّرَابُ وَاحِدًا أَوْ مُخْتَلِفًا، وَالْإِنَاءُ الَّذِي يَشْرَبَانِ فِيهِ وَاحِدًا أَوْ مُخْتَلِفًا؛ لِأَنَّ الشُّرْبَ مَعَ الْغَيْرِ هَكَذَا يَكُونُ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَمِيرَ مَعَ نُدَمَائِهِ يَشْرَبُ، ثُمَّ إنَاؤُهُ الَّذِي يَشْرَبُ مِنْهُ غَيْرُ إنَائِهِمْ، وَرُبَّمَا يَشْرَبُ الصَّرْفَ، وَيَمْزُجُ لَهُمْ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى شَرَابًا وَاحِدًا حِينَ حَلَفَ فَحِينَئِذٍ قَدْ نَوَى أَكْمَلَ مَا يَكُونُ مِنْ الشُّرْبِ مَعَ فُلَانٍ، وَنِيَّتُهُ لِذَلِكَ صَحِيحٌ.
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الطَّعَامَ، فَأَكَلَ مِنْهُ شَيْئًا يَسِيرًا حَنِثَ، وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ الْمَاءَ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ حَقِيقَةٌ لِلْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، وَالْفِعْلُ يَتَحَقَّقُ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، فَإِذَا عَنِيَ الْمَاءَ كُلَّهُ وَالطَّعَامَ، لَمْ يَحْنَثْ بِهَذَا؛ لِأَنَّ الْمَاءَ وَالطَّعَامَ اسْمُ جِنْسٍ، فَإِذَا عَنِيَ الْكُلَّ، فَإِنَّمَا نَوَى حَقِيقَةَ كَلَامِهِ، فَتَعْمَلُ نِيَّتُهُ فَلَا يَحْنَثُ بِهَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَشْرَبَ الْمَاءَ كُلَّهُ، وَلَا أَنْ يَأْكُلَ الطَّعَامَ كُلَّهُ.
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَذُوقُ شَرَابًا، وَهُوَ يَعْنِي لَا يَشْرَبُ النَّبِيذَ خَاصَّةً، فَأَكَلَهُ أَكْلًا لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الشَّرَابَ، وَالشَّرَابُ يُشْرَبُ، فَنِيَّةُ الشُّرْبِ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ الذَّوْقِ صَحِيحٌ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ مَتَى عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى فِعْلِ الشُّرْبِ، لَمْ يَحْنَثْ بِالْأَكْلِ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَذُوقُ لَبَنًا، وَلَا نِيَّةَ لَهُ فَأَكَلَهُ، أَوْ شَرِبَهُ حَنِثَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ذَاقَهُ، وَزَادَ عَلَيْهِ.
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ دِجْلَةَ، فَغَرَفَ مِنْهَا بِقَدَحٍ وَشَرِبَهُ، لَمْ يَحْنَثْ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، إلَّا أَنْ يَضَعَ فَاهُ عَلَى دِجْلَةَ بِعَيْنِهَا فَيَشْرَبَ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ الشُّرْبَ مِنْ دِجْلَةَ هَكَذَا يَكُونُ فِي الْعَادَةِ، فَإِنَّهُ يُقَالُ: أَهْلُ بَلْدَةِ كَذَا يَشْرَبُونَ مِنْ دِجْلَةَ، وَإِنَّمَا يُرَادُ بِطَرِيقِ الِاغْتِرَافِ فِي الْأَوَانِي، وَلَكِنْ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ: حَقِيقَةُ الشُّرْبِ مِنْ دِجْلَةَ يَكُونُ بِالْكُرَاعِ، وَهَذِهِ حَقِيقَةٌ مُسْتَعْمَلَةٌ، جَاءَ فِي «حَدِيثٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِقَوْمٍ نَزَلَ عِنْدَهُمْ: هَلْ عِنْدَكُمْ مَاءٌ بَاتَ فِي شَنٍّ وَإِلَّا كَرَعْنَا؟» وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْحَقِيقَةَ إذَا كَانَتْ مُسْتَعْمَلَةً، فَاللَّفْظُ يُحْمَلُ عَلَيْهِ دُونَ الْمَجَازِ، وَالْحَقِيقَةُ مُرَادَةٌ، فَإِنَّهُ لَوْ كَرَعَ يَحْنَثُ، وَهُوَ حَقِيقَةُ الشُّرْبِ مِنْ دِجْلَةَ؛ لِأَنَّ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ، فَالْحَقِيقَةُ أَنْ يَضَعَ فَاهُ عَلَى بَعْضِ دِجْلَة، وَالْحَقِيقَةُ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي مَوْضِعِهِ، وَالْمَجَازُ اسْتِعْمَالُهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ الْوَاحِدُ مُسْتَعْمَلًا فِي مَوْضِعِهِ مَعْدُولًا بِهِ عَنْ مَوْضِعِهِ، فَلِهَذَا وَمَا تَقَدَّمَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute