للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَفْسِهِ حُجَّةٌ، وَعَلَى الْآخَرِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ. وَكَذَلِكَ لَوْ سَمَّى اثْنَيْنِ مَعَهُ لَزِمَهُ الثُّلُثُ. وَكَذَلِكَ لَوْ سَمَّى عَبْدًا مَحْجُورًا أَوْ صَبِيًّا أَوْ حَرْبِيًّا أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ رَجُلًا لَا يُعْرَفُ فَعَلَى الْمُقِرِّ حِصَّتُهُ عَلَى عَدَدِهِمْ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ مَنْ سَمَّى ذِمَّتُهُ صَالِحُهُ لِالْتِزَامِ الْمَالِ فَيَتَحَقَّقُ الِاشْتِرَاكُ وَيَكُونُ مُقِرًّا عَلَى نَفْسِهِ بِحِصَّتِهِ خَاصَّةً.

وَلَوْ قَالَ إنَّ لِفُلَانٍ عَيْنًا أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَلَمْ يُسَمِّ أَحَدًا، ثُمَّ قَالَ عَنَيْتُ فُلَانًا وَفُلَانًا لَزِمَهُ الْمَالُ كُلُّهُ إنْ ادَّعَاهُ الطَّالِبُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَلْزَمُهُ إلَّا حِصَّتُهُ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَحَقِيقَةُ لَفْظِ الْجَمْعِ لَا تَتَنَاوَلُ الْمُفْرَدَ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي بَيَانِ الْعَدَدِ الَّذِي تَضَمَّنَهُ الْإِقْرَارُ؛ لِأَنَّ إبْهَامَ الْعَدَدِ فِي الْمُقَرِّ عَلَيْهِ بِمَنْزِلَتِهِ فِي الْمُقَرِّ بِهِ فَيَرْجِعُ فِي بَيَانِهِ إلَيْهِ وَكُنَّا تَرَكْنَا هَذِهِ الْحَقِيقَةَ لِدَلِيلِ عُرْفِ النَّاسِ فَقَدْ يُخْبِرُ الْوَاحِدُ عَنْ نَفْسِهِ بِعِبَارَةٍ الْجَمْعِ تَارَةً وَبِعِبَارَةِ الْمُفْرَدِ أُخْرَى.

(أَلَا تَرَى) أَنَّ الْعُظَمَاءَ مِنْ النَّاسِ يَقُولُونَ فَعَلْنَا كَذَا وَأَمَرْنَا بِكَذَا وَنَحْنُ نَقُولُ كَذَا وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ أَنْفُسَهُمْ وَيُؤَيِّدُ هَذَا قَوْله تَعَالَى {ثُمَّ إنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة: ١٩] وقَوْله تَعَالَى {إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ} [الحجر: ٩] وقَوْله تَعَالَى {إنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ} [ق: ٤٣] وقَوْله تَعَالَى {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: ٩]، فَإِذَا كَانَ عُرْفٌ ظَاهِرٌ جَعَلْنَاهُ بِهَذَا اللَّفْظِ مُخْبِرًا عَنْ نَفْسِهِ فَيَلْزَمُهُ الْمَالُ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ عَلَيْنَا وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلَى نَفْسِهِ وَإِلَى آخَرِينَ مَعَهُ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إنَّمَا يَحْصُلُ بِلَفْظِهِ لَا بِإِشَارَتِهِ فَوُجُودُ هَذِهِ الْإِشَارَةِ كَعَدَمِهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ رَهْطٌ قُعُودٌ، فَقَالَ لِفُلَانٍ عَلَيْنَا جَمِيعًا أَوْ عَلَيْنَا كُلِّنَا وَأَشَارَ إلَى نَفْسِهِ وَإِلَيْهِمْ فَحِينَئِذٍ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا حِصَّتُهُ عَلَى عَدَدِ الْقَوْمِ الَّذِينَ مَعَهُ؛ لِأَنَّهُ قَرَنَ بِكَلَامِهِ لَفْظًا يَمْنَعُنَا أَنْ نَحْمِلَ كَلَامَهُ عَلَى الْإِخْبَارِ عَنْ نَفْسِهِ خَاصَّةً، وَهُوَ قَوْلُهُ كُلُّنَا فَعَرَفْنَا أَنَّهُ مُضِيفٌ الْإِقْرَارَ إلَى نَفْسِهِ وَإِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ هُمْ جُلُوسٌ مَعَهُ، وَقَدْ أَظْهَرَ ذَلِكَ بِإِشَارَتِهِ إلَيْهِمْ فَلَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا حِصَّتُهُ بِخِلَافِ مَا سَبَقَ.

وَلَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَى رَجُلٍ مِنَّا كُرٌّ أَوْ رَجُلَيْنِ مِنَّا كُرٌّ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ عَلَى مَجْهُولٍ فَإِنَّهُ جَعَلَ الْمُقَرَّ عَلَيْهِ مُنَكَّرًا، وَهُوَ مَعْرِفَةٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ لَفْظُهُ عِبَارَةً عَنْ نَفْسِهِ.

وَلَوْ قَالَ يَا فُلَانُ لَكَ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ لَزِمَهُ الْمَالُ كُلُّهُ؛ لِأَنَّهُ خَاطَبَ الْمُقَرَّ لَهُ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَقَدْ يُخَاطَبُ الْمُفْرَدُ بِعِبَارَةِ الْجَمْعِ تَعْظِيمًا وَهَذَا ظَاهِرٌ عِنْدَ أَهْلِ اللِّسَانِ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَنْتُمْ يَا فُلَانُ لَكُمْ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ أَوْ قَالَ نَحْنُ يَا فُلَانُ لَكَ عَلَيْنَا أَلْفُ دِرْهَمٍ فَهُوَ إقْرَارٌ لَهُ بِالْمَالِ عَلَى نَفْسِهِ لِمَا قُلْنَا.

وَلَوْ قَالَ يَا فُلَانُ لَكُمَا عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ كَانَ لِفُلَانٍ مِنْهُمَا النِّصْفُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُخَاطَبُ الْمُفْرَدُ بِعِبَارَةِ التَّثْنِيَةِ إذْ لَيْسَ فِي ذَلِكَ غَرَضٌ فَإِنَّ فِي عِبَارَةِ الْجَمْعِ لِلْمُفْرَدِ مَعْنَى التَّعْظِيمِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي عِبَارَةِ التَّثْنِيَةِ فَإِنَّمَا صَارَ مُقِرًّا لَهُ وَلِمَجْهُولٍ آخَرَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا نِصْفُ الْأَلْفِ وَبَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ يَقُولُونَ يَلْزَمُهُ الْأَلْفُ لَهُ فَخِطَابُ التَّثْنِيَةِ لِلْمُفْرَدِ يُوجَدُ فِي الْقُرْآنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>