للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مِنْ غَيْرِ خَلْطِ الْمَالَيْنِ، وَالْمَالَانِ لَا يَخْتَلِطَانِ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، وَالسُّودِ وَالْبِيضِ وَزُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يُجَوِّزُ هَذِهِ الشَّرِكَةَ بِدُونِ خَلْطِ الْمَالَيْنِ بِرِوَايَةٍ وَاحِدَةٍ (قَالَ): لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ لَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُخْتَصًّا بِمِلْكِ مَالٍ بَعْدَ عَقْدِ الشَّرِكَةِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ فِي هَذَا الْعَقْدِ.

(وَقَدْ) رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ هَذِهِ الشَّرِكَةَ لَا تَجُوزُ بِمَالَيْنِ لَا يَخْتَلِطَانِ؛ لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ شَرْطٌ فِي هَذَا الْعَقْدِ، وَالْمُسَاوَاةُ بَيْنَ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فِي الْمَالِيَّةِ إنَّمَا تَكُونُ بِالتَّقْوِيمِ. وَطَرِيقُ ذَلِكَ الْحِرْزُ. وَالْمُسَاوَاةُ شَرْعًا لَا تَثْبُتُ بِهَذَا الطَّرِيقِ كَالْمُسَاوَاةِ الَّتِي تُشْتَرَطُ فِي مُبَادَلَةِ الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ بِجِنْسِهَا. وَإِنْ كَانَ رَأْسُ مَالِ أَحَدِهِمَا بِيضًا، وَرَأْسُ مَالِ الْآخَرِ سُودًا، وَبَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ فِي الصَّرْفِ: لَا يَجُوزُ هَذَا الْعَقْدُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِعَدَمِ الْمُسَاوَاةِ.

(وَذَكَرَ) إسْمَاعِيلُ بْنُ حَمَّادٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أَنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لِلْجَوْدَةِ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ إذَا قُوبِلَتْ بِجِنْسِهَا، وَإِنَّمَا تُعْتَبَرُ الْمُسَاوَاةُ فِي الْوَزْنِ. قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «جَيِّدُهَا وَرَدِيئُهَا سَوَاءٌ». وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُفَاوَضَةَ لَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِلَفْظِ الْمُفَاوَضَةِ، حَتَّى إذَا لَمْ يَذْكُرْ لَفْظَةَ الْمُفَاوَضَةِ كَانَ عَنَانًا عَامًّا. وَالْعَنَانُ قَدْ يَكُونُ عَامًّا، وَقَدْ يَكُونُ خَاصًّا، وَتَأْوِيلُ هَذَا: أَنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْرِفُونَ جَمِيعَ أَحْكَامِ الْمُفَاوَضَةِ؛ فَلَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُمَا الرِّضَا بِحُكْمِ الْمُفَاوَضَةِ قَبْلَ عِلْمِهِمَا بِهِ وَيُجْعَلُ تَصْرِيحُهُمَا بِالْمُفَاوَضَةِ قَائِمًا مَقَامَ ذَلِكَ كُلِّهِ فَإِنْ كَانَ الْمُتَعَاقِدَانِ يَعْرِفَانِ أَحْكَامَ الْمُفَاوَضَةِ صَحَّ الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا إذَا ذَكَرَا مَعْنَى الْمُفَاوَضَةِ، وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحَا بِلَفْظِهَا؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ الْمَعْنَى دُونَ اللَّفْظِ.

(فَأَمَّا شَرِكَةُ الْوُجُوهِ) فَهِيَ صَحِيحَةٌ " عِنْدَنَا " وَبَاطِلَةٌ " عِنْدَ الشَّافِعِيِّ " بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ الْأَصْلَ شَرِكَةُ الْمِلْكِ، وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي شَرِكَةِ الْوُجُوهِ، " وَعِنْدَنَا " شَرِكَةُ الْعَقْدِ تَصِحُّ بِاعْتِبَارِ الْوَكَالَةِ، وَتَوْكِيلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ بِالشِّرَاءِ، عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرَى بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ أَوْ أَثَلَاثًا، صَحِيحٌ. فَكَذَلِكَ الشَّرِكَةُ الَّتِي تَتَضَمَّنُ ذَلِكَ إلَّا أَنَّ فِي هَذَا الْعَقْدِ لَا يَصِحُّ التَّفَاضُلُ فِي اشْتِرَاطِ الرِّبْحِ بَعْدَ التَّسَاوِي فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الَّذِي يُشْتَرَطُ لَهُ الزِّيَادَةُ لَيْسَ لَهُ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ رَأْسُ مَالٍ وَلَا عَمَلٍ وَلَا ضَمَانٍ. فَاشْتِرَاطُ جُزْءٍ مِنْ ذَلِكَ الرِّبْحِ لَهُ يَكُونُ رِبْحَ مَا لَمْ يُضْمَنْ، وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ، فَإِنْ أَرَادَ التَّفَاوُتَ فِي الرِّبْحِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَشْتَرِطَ التَّفَاوُتَ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرَى؛ بِأَنْ يَكُونَ لِأَحَدِهِمَا الثُّلُثُ، وَلِلْآخِرِ الثُّلُثَانِ؛ حَتَّى يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الرِّبْحُ بِقَدْرِ مِلْكِهِ. وَهَذِهِ الشَّرِكَةُ " عِنْدَنَا " تَجُوزُ عَنَانًا وَمُفَاوَضَةً. إلَّا أَنَّ الْمُفَاوَضَةَ لَا تَكُونُ إلَّا بِاعْتِبَارِ الْمُسَاوَاةِ فِي الْمُشْتَرَى وَالرِّبْحِ جَمِيعًا. (فَأَمَّا شَرِكَةُ التَّقَبُّلِ) فَهِيَ صَحِيحَةٌ " عِنْدَنَا "، وَلَا تَصِحُّ " عِنْدَ الشَّافِعِيِّ " - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ شَرِكَةَ الْمِلْكِ أَصْلٌ، وَلَا يُوجَدُ

<<  <  ج: ص:  >  >>