صَحِيحَةً " عِنْدَنَا " خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ.
وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ رَأْسُ مَالِ أَحَدِهِمَا بِيضًا، وَالْآخَرِ سُودًا؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ فِي الْمِلْكِ لَا تَثْبُتُ هُنَا حِينَ كَانَا لَا يَخْتَلِطَانِ. وَعَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي شَرَطَ زُفَرُ الْخَلْطَ: جَوَابُ هَذِهِ الْفَصْلِ ظَاهِرٌ عَلَى مَذْهَبِهِ، وَأَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي لَا يَشْتَرِطُ ذَلِكَ، نَقُولُ: فِي هَذَيْنِ الْفَصْلَيْنِ رُبَّمَا يَظْهَرُ الرِّبْحُ لِأَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ بِتَغْيِيرِ سِعْرِ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ، وَذَلِكَ تَقْتَضِيه الشَّرِكَةُ. " وَعِنْدَنَا " مُوجَبُ هَذَا الْعَقْدِ الْوَكَالَةُ، وَذَلِكَ صَحِيحٌ مَعَ اخْتِلَافِ النَّقْدَيْنِ فَإِنَّهُمَا لَوْ صَرَّحَا بِالْوَكَالَةِ بِأَنْ يَشْتَرِيَ أَحَدُهُمَا بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرَى بَيْنَهُمَا، وَيَشْتَرِي الْآخَرُ بِهَذِهِ الدَّنَانِيرِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرَى بَيْنَهُمَا: كَانَ صَحِيحًا، فَكَذَلِكَ تَصِحُّ الشَّرِكَةُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ.
(فَأَمَّا شَرِكَةُ الْمُفَاوَضَةِ) فَهِيَ جَائِزَةٌ " عِنْدَنَا ". وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: لَا أَعْرِفُ مَا الْمُفَاوَضَةُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: إنْ كَانَ فِي الدُّنْيَا عَقْدٌ فَاسِدٌ فَهُوَ الْمُفَاوَضَةُ. وَرُبَّمَا قَالَ أَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الْقِمَارِ، فَأَمَّا مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنْ كَانَ لَا يَعْرِفُهَا لُغَةً فَقَدْ بَيَّنَّا اشْتِقَاقَهَا، وَإِنْ كَانَ لَا يَعْرِفُهَا شَرْعًا فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تُفَاوَضُوا؛ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْبَرَكَةِ». وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إذَا فَاوَضْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْمُفَاوَضَةَ». وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّهُ يَنْبَنِي عَلَى مَذْهَبِهِ أَنَّ الْأَصْلَ شَرِكَةُ الْمِلْكِ، وَمَا هُوَ مُوجَبُ الْمُفَاوَضَةِ قَطُّ لَا يَثْبُتُ بِاعْتِبَارِ شَرِكَةِ الْمِلْكِ؛ فَلِهَذَا أَفْسَدَهَا، وَقَالَ: لِأَنَّهَا تَتَضَمَّنُ الْكَفَالَةَ بِالْمَجْهُولِ لِلْمَجْهُولِ؛ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَكُونُ كَفِيلًا عَنْ صَاحِبِهِ فِيمَا يَلْزَمُهُ بِجِهَةِ التِّجَارَةِ، وَالْكَفَالَةُ لِلْمَجْهُولِ بِالْمَعْلُومِ بَاطِلٌ، فَبِالْمَجْهُولِ أَوْلَى. وَاَلَّذِي يَقُولُ إنَّهُ ضَرْبٌ مِنْ الْقِمَارِ فَإِنَّمَا يَدْخُلُ ذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِ الثَّوْرِيِّ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ: إذَا وُرِّثَ أَحَدُهُمَا مَالًا يَكُونُ ذَلِكَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا، وَلَسْنَا نَقُولُ بِذَلِكَ؛ فَلَا يَدْخُلُ ذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِنَا، وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الشَّرِكَةَ تَتَضَمَّنُ الْكَفَالَةَ وَالْوَكَالَةَ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَحِيحٌ مَقْصُودًا، فَكَذَلِكَ فِي ضِمْنِ الشَّرِكَةِ، فَأَمَّا الْجَهَالَةُ بِعَيْنِهَا لَا تُبْطِلُ الْكَفَالَةَ، وَلَكِنْ تُمَكِّنُ الْمُنَازَعَةُ سَبَبًا، وَذَلِكَ مُنْعَدِمٌ هُنَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إنَّمَا يَصِيرُ ضَامِنًا عَنْ صَاحِبِهِ مَا لَزِمَهُ بِتِجَارَتِهِ، وَعِنْدَ اللُّزُومِ: الْمَضْمُونُ لَهُ، وَالْمَضْمُونُ بِهِ مَعْلُومٌ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يُوجَدُ فِي شَرِكَةِ الْعَنَانِ فَإِنَّ التَّوْكِيلَ بِشِرَاءٍ مَجْهُولِ الْجِنْسِ لَا يَصِحُّ مَقْصُودًا، ثُمَّ صَحَّتْ شَرِكَةُ الْعَنَانِ، وَإِنْ تَضَمَّنَتْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَا يَشْتَرِيهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ مُسَمًّى فِي الْعَقْدِ، فَكَذَلِكَ الْمُفَاوَضَةُ. وَمِنْ شُرُوطِ هَذَا الْعَقْدِ أَنْ يَتَسَاوَيَا فِي رَأْسِ الْمَالِ، وَلَا يَخْتَصُّ أَحَدُهُمَا بِمِلْكِ مَالٍ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ رَأْسَ مَالِهِ فِي الشَّرِكَةِ مِنْ النُّقُودِ، وَأَنْ يَتَسَاوَيَا فِي الرِّبْحِ فَلَا يُشْتَرَطُ لِأَحَدِهِمَا زِيَادَةٌ عَلَى صَاحِبِهِ؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ قَضِيَّةَ اللَّفْظِ الْمُسَاوَاةُ. ثُمَّ فِي ظَاهِرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ تَصِحُّ هَذِهِ الشَّرِكَةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute