عَلَيْهَا خُبْزَ الشَّعِيرِ فَأَبَتْ هِيَ ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ الزَّوْجُ حَاضِرًا لِيَقْضِيَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ آخَرَ. (وَالثَّانِي) أَنَّهَا كَانَتْ بَذِيئَةَ اللِّسَانِ عَلَى مَا رُوِيَ أَنَّهَا كَانَتْ تُؤْذِي أَحْمَاءَ زَوْجِهَا حَتَّى أَخْرَجُوهَا. فَأَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَظَنَّتْ أَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ لَهَا نَفَقَةً وَلَا سُكْنَى، ثُمَّ لَا خِلَافَ فِي اسْتِحْقَاقِهَا السُّكْنَى؛ فَإِنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} [الطلاق: ١] الْآيَةَ وَقَالَ تَعَالَى {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ} [الطلاق: ٦] فَعُلَمَاؤُنَا قَالُوا: النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقٌّ مَالِيٌّ مُسْتَحَقٌّ لَهَا بِالنِّكَاحِ، وَهَذِهِ الْعِدَّةُ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ النِّكَاحِ فَكَمَا يَبْقَى بِاعْتِبَارِ هَذَا الْحَقِّ مَا كَانَ لَهَا مِنْ اسْتِحْقَاقِ السُّكْنَى، فَكَذَلِكَ النَّفَقَةُ وَبِاسْتِحْقَاقِ السُّكْنَى يَتَبَيَّنُ بَقَاءُ مِلْكِ الْيَدِ لِلزَّوْجِ عَلَيْهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ وَكَمَا يَثْبُتُ اسْتِحْقَاقُ النَّفَقَةِ بِسَبَبِ مِلْكِ الْيَمِينِ يَثْبُتُ بِسَبَبِ مِلْكِ الْيَدِ.
أَلَا تَرَى أَنَّ نَفَقَةَ رَقِيقِ الْمُكَاتَبِ عَلَيْهِ فِي كَسْبِهِ لِمَالِهِ فِيهِ مِنْ مِلْكِ الْيَدِ، وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْمَرْهُونِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ مَعَ مِلْكِ الْيَدِ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْيَدِ لِلْمُرْتَهِنِ فِي الْمَالِيَّةِ دُونَ الْعَيْنِ فَإِنَّ يَدَهُ يَدُ الِاسْتِيفَاءِ وَذَلِكَ فِي الْمَالِيَّةِ دُونَ الْعَيْنِ
فَأَمَّا إذَا كَانَتْ حَامِلًا فَلَهَا النَّفَقَةُ بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: ٦] وَمِنْ أَصْلِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ تَعْلِيقَ الْحُكْمِ بِالشَّرْطِ كَمَا يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ الْحُكْمِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِهِ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ. وَعِنْدَنَا تَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِالشَّرْطِ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْحُكْمِ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ مَفْهُومَ النَّصِّ لَيْسَ بِحُجَّةٍ وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ ثَابِتًا قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ بِعِلَّةٍ أُخْرَى.
أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَالَ: لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ إذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ، ثُمَّ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ غَدًا يَبْقَى ذَلِكَ التَّعْلِيقُ صَحِيحًا حَتَّى لَوْ أَزَالَهُ مِنْ مِلْكِهِ الْيَوْمَ فَمَضَى الْغَدُ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ، ثُمَّ جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ يَعْتِقُ وَلَوْ بَقِيَ فِي مِلْكِهِ حَتَّى الْغَدِ يَعْتِقُ أَيْضًا كَيْفَ وَقَدْ قَالَ {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: ٦] وَفِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ وَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ مِنْ وُجْدِكُمْ. وَقِرَاءَتُهُ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ مَسْمُوعَةً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النَّفَقَةَ مُسْتَحَقَّةٌ لَهَا بِسَبَبِ الْعِدَّةِ. وَأَنَّ قَوْلَهُ {، وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ} [الطلاق: ٦] لِإِزَالَةِ إشْكَالٍ كَانَ عَسَى أَنْ يَقَعَ فَإِنَّ مُدَّةَ الْحَمْلِ تَطُولُ عَادَةً فَكَانَ يُشْكِلُ أَنَّهَا هَلْ تَسْتَوْجِبُ النَّفَقَةَ بِسَبَبِ الْعِدَّةِ فِي مُدَّةِ الْحَمْلِ، وَإِنْ طَالَتْ فَأَزَالَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا الْإِشْكَالَ بِقَوْلِهِ {حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: ٦] ثُمَّ النَّفَقَةُ إذَا كَانَتْ حَامِلًا تَجِبُ لَهَا لَا لِلْوَلَدِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا تَجِبُ فِي مَالِ الْوَلَدِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ أَوْصَى لَهُ بِهِ، وَأَنَّهَا لَا تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْوَلَدِ وَأَنَّهَا إذَا كَانَتْ أَمَةً
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute