فَنَفَقَتُهَا عَلَى زَوْجِهَا وَنَفَقَةُ الْوَلَدِ عَلَى مَوْلَاهُ كَمَا بَعْدَ الِانْفِصَالِ
وَأَنَّ الْمَنْكُوحَةَ إذَا حَبِلَتْ لَا تَتَضَاعَفُ نَفَقَتُهَا وَلَوْ كَانَ الْحَمْلُ يَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ لَتَضَاعَفَتْ نَفَقَةُ الْمَنْكُوحَةِ إذَا حَبِلَتْ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ النَّفَقَةَ لَهَا فَقُلْنَا: لَا بُدَّ مِنْ سَبَبٍ لِاسْتِحْقَاقِ النَّفَقَةِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الزَّوْجِ، وَلَا سَبَبَ لِذَلِكَ سِوَى الْعِدَّةِ وَالْحَامِلُ وَالْحَائِلُ فِي هَذَا السَّبَبِ سَوَاءٌ. وَلَا تَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهَا لَيْلًا وَلَا نَهَارًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَا يَخْرُجْنَ إلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ} [الطلاق: ١] قَالَ إبْرَاهِيمُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خُرُوجُهَا مِنْ بَيْتِهَا فَاحِشَةٌ. وَلِأَنَّهَا مَكْفِيَّةُ الْمُؤْنَةِ؛ لَا حَاجَةَ لَهَا إلَى الْخُرُوجِ لَيْلًا وَلَا نَهَارًا، بِخِلَافِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا؛ فَإِنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا فِي تَرِكَةِ الزَّوْجِ؛ فَهِيَ تَحْتَاجُ إلَى أَنْ تَخْرُجَ بِالنَّهَارِ فِي حَوَائِجِهَا. وَالْبَائِنَةُ بِالْخُلْعِ وَالْإِيلَاءِ وَاللِّعَانِ وَرِدَّةِ الزَّوْجِ وَمُجَامَعَةِ أُمِّهَا سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْفُرْقَةَ كُلَّهَا بِسَبَبٍ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ مُسْتَحِقَّةً لِلنَّفَقَةِ فِي أَصْلِ النِّكَاحِ فَيَبْقَى ذَلِكَ الْحَقُّ بِبَقَاءِ الْعِدَّةِ، فَإِنْ اشْتَرَطَ الزَّوْجُ فِي الْخُلْعِ أَنْ لَا سُكْنَى فِي الْعِدَّةِ وَلَا نَفَقَةَ فَعَلَيْهِ السُّكْنَى وَلَا نَفَقَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ خُرُوجَهَا مِنْ بَيْتِهَا مَعْصِيَةٌ وَاشْتِرَاطُ الْمَعْصِيَةِ فِي الْخُلْعِ بَاطِلٌ؛ وَلِأَنَّ النَّفَقَةَ حَقُّهَا وَإِسْقَاطُهَا حَقَّ نَفْسِهَا صَحِيحٌ فَأَمَّا السُّكْنَى مِنْ حَقِّ الشَّرْعِ وَإِسْقَاطُ مَا هُوَ حَقُّ الشَّرْعِ بَاطِلٌ.
أَلَا تَرَى أَنَّ إسْقَاطَهَا لِمَا زَادَ عَلَى الْعَشَرَةِ مِنْ الْمَهْرِ عِنْدَ الْعَقْدِ صَحِيحٌ بِخِلَافِ الْعَشَرَةِ حَتَّى لَوْ أَبْرَأَتْ زَوْجَهَا مِنْ مُؤْنَةِ السُّكْنَى وَرَضِيَتْ أَنْ تَكُونَ فِي بَيْتِ نَفْسِهَا، أَوْ تَلْتَزِمَ مُؤْنَةَ السُّكْنَى مِنْ مَالِهَا كَانَ صَحِيحًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَقُّهَا
(قَالَ:) وَإِذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ طَلَاقًا بَائِنًا وَهِيَ أَمَةٌ وَقَدْ بَوَّأَهَا مَعَهُ بَيْتًا فَعَلَى الزَّوْجِ النَّفَقَةُ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ مُسْتَحِقَّةً لِلنَّفَقَةِ حَالَ قِيَامِ النِّكَاحِ فَيَبْقَى ذَلِكَ بِبَقَاءِ الْعِدَّةِ، فَإِنْ أَخْرَجَهَا الْمَوْلَى إلَيْهِ لِخِدْمَتِهِ بَطَلَتْ النَّفَقَةُ عَنْ الزَّوْجِ كَمَا فِي حَالِ قِيَامِ النِّكَاحِ إذَا شَغَلَهَا بِخِدْمَتِهِ، فَإِنْ أَعَادَهَا إلَى بَيْتِ الزَّوْجِ وَتَرَكَ اسْتِخْدَامَهَا فَلَهَا النَّفَقَةُ كَمَا فِي حَالِ قِيَامِ النِّكَاحِ فَأَمَّا إذَا كَانَتْ عِنْدَ الطَّلَاقِ فِي بَيْتِ الْمَوْلَى يَسْتَخْدِمُهَا ثُمَّ عَادَتْ إلَى بَيْتِ الزَّوْجِ بَعْدَ الطَّلَاقِ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا عِنْدَنَا. وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَهَا النَّفَقَةُ كَمَا لَوْ كَانَ اسْتِخْدَامُهُ إيَّاهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّ سُقُوطَ النَّفَقَةِ بِعَارِضٍ فَإِذَا زَالَ ذَلِكَ الْعَارِضُ صَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ.
أَلَا تَرَى أَنَّ الْحُرَّةَ إذَا كَانَتْ نَاشِزَةً هَارِبَةً مِنْ الزَّوْجِ حِينَ طَلَّقَهَا ثُمَّ عَادَتْ إلَى بَيْتِهِ كَانَ لَهَا نَفَقَةُ الْعِدَّةِ؛ لِهَذَا الْمَعْنَى. وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ بِاعْتِبَارِ الْعِدَّةِ يَبْقَى مَا كَانَ ثَابِتًا وَلَا يَثْبُتُ مَا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا؛ لِأَنَّ الثُّبُوتَ ابْتِدَاءٌ يَسْتَدْعِي قِيَامَ الْمِلْكِ مُطْلَقًا فَأَمَّا ثُبُوتُ نَفَقَةِ الْعِدَّةِ عِنْدَ الْفُرْقَةِ، فَإِنْ كَانَتْ فِي بَيْتِ الزَّوْجِ عِنْدَ ذَلِكَ كَانَتْ مُسْتَحِقَّةً لِلنَّفَقَةِ فَيَبْقَى ذَلِكَ بِبَقَاءِ الْعِدَّةِ، فَإِنْ اعْتَرَضَ بَعْدَ ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute