للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَكَّةَ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الْإِحْرَامِ عَلَيْهِ فَمُبَاشَرَةُ ذَلِكَ السَّبَبِ بِمَنْزِلَةِ الْتِزَامِهِ الْإِحْرَامَ بِالنَّذْرِ، وَفِي نَذْرِ الْإِحْرَامِ يَلْزَمُهُ حَجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ فَكَذَلِكَ إذَا لَزِمَهُ الْإِحْرَامُ بِدُخُولِ مَكَّةَ فَإِنْ رَجَعَ إلَى الْمِيقَاتِ فَأَهَلَّ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ أَجْزَأَهُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَعَمَّا لَزِمَهُ بِدُخُولِ مَكَّةَ اسْتِحْسَانًا عِنْدَنَا. وَفِي الْقِيَاسِ لَا يُجْزِئُهُ عَمَّا لَزِمَهُ لِدُخُولِ مَكَّةَ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّهُ بِدُخُولِ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ وَجَبَ عَلَيْهِ حَجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ وَصَارَ ذَلِكَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ، وَحَجَّةُ الْإِسْلَامِ لَا تَنُوبُ عَمَّا صَارَتْ نُسُكًا دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَحَوَّلَتْ السَّنَةُ، ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْمِيقَاتِ لَا يَنُوبُ هَذَا عَمَّا لَزِمَهُ لِدُخُولِ مَكَّةَ فَكَذَلِكَ فِي السَّنَةِ الْأُولَى، وَلَكِنْ اسْتَحْسَنَ عُلَمَاؤُنَا - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - فَقَالُوا: لَوْ كَانَ حِينَ انْتَهَى إلَى الْمِيقَاتِ فِي الِابْتِدَاءِ أَحْرَمَ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ نَابَ ذَلِكَ عَمَّا يَلْزَمُهُ لِدُخُولِ مَكَّةَ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ مُحْرِمًا عِنْدَ دُخُولِ مَكَّةَ لَا أَنْ يَكُونَ إحْرَامُهُ لِدُخُولِ مَكَّةَ كَمَنْ اعْتَكَفَ فِي رَمَضَانَ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ صَائِمًا فِي مُدَّةِ الِاعْتِكَافِ لَا أَنْ يَكُونَ صَوْمُهُ لِلِاعْتِكَافِ، فَإِذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ لَوْ أَحْرَمَ عِنْدَ الْمِيقَاتِ فِي الِابْتِدَاءَ كَأَنْ يُؤَدِّي حَجَّةَ الْإِسْلَامِ بِذَلِكَ الْإِحْرَامِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ، وَقَدْ أَدَّاهَا حِينَ عَادَ إلَى الْمِيقَاتِ فَأَحْرَمَ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ فَصَارَ بِهِ مُتَلَافِيًا لِلْمَتْرُوكِ فَيَسْقُطُ عَنْهُ مَا لَزِمَهُ لِدُخُولِ مَكَّةَ، فَأَمَّا بَعْدَ مَا تَحَوَّلَتْ السَّنَةُ لَمْ يَصِرْ مُتَلَافِيًا لِلْمَتْرُوكِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فِي السَّنَةِ الْأُولَى لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ الْحَجَّ بِذَلِكَ الْإِحْرَامِ فِي الثَّانِيَةِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُتَلَافِيًا لِلْمَتْرُوكِ فَإِنْ قِيلَ أَلَيْسَ أَنَّهُ لَوْ عَادَ إلَى الْمِيقَاتِ وَأَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ مَنْذُورَةٍ لَا يَسْقُطُ عَنْهَا بِهَذَا الْعَوْدِ مَا لَزِمَهُ بِدُخُولِ مَكَّةَ وَهُوَ حِينَ انْتَهَى إلَى الْمِيقَاتِ لَوْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ الْمَنْذُورَةِ وَدَخَلَ بِهِ مَكَّةَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، ثُمَّ لَا يَصِيرُ بِهِ مُتَدَارِكًا لِمَا هُوَ الْوَاجِبُ؟.

(قُلْنَا) هُوَ خَارِجٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُؤَقَّتَةً فَيُكْرَهُ أَدَاؤُهَا فِي خَمْسَةِ أَيَّامٍ مِنْ السَّنَةِ فَلَوْ أَحْرَمَ بِهَا فِي الِابْتِدَاءِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَهَا إلَى الْوَقْتِ الْمَكْرُوهِ فَلَا يَصِيرُ بِالرُّجُوعِ إلَى الْمِيقَاتِ وَالْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ مُتَدَارِكًا لِلْمَتْرُوكِ

(قَالَ): وَإِذَا جَاوَزَ الْمِيقَاتَ حَلَالًا، ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَفَاتَهُ الْحَجُّ سَقَطَ عَنْهُ دَمُ الْوَقْتِ عِنْدَنَا، وَلَمْ يَسْقُطْ عِنْدَ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّ الدَّمَ بِمُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ صَارَ وَاجِبًا عَلَيْهِ فَلَا يَسْقُطُ بِفَوَاتِ الْحَجِّ كَمَا لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ الدَّمُ بِالتَّطَيُّبِ أَوْ لُبْسِ الْمَخِيطِ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ ذَلِكَ بِفَوَاتِ الْحَجِّ، وَلَكِنَّا نَقُولُ لَمَّا فَاتَهُ الْحَجّ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَهُوَ لِلْقَضَاءِ يُحْرِمُ مِنْ الْمِيقَاتِ فَيَنْعَدِمُ بِهِ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ يَلْزَمُهُ الدَّمُ وَهُوَ أَدَاءُ الْحَجِّ بِإِحْرَامٍ بَعْدَ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ بِخِلَافِ سَائِرِ الدِّمَاءِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>