وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ الْوَصِيُّ لِإِنْسَانٍ بَعْدَ مُضِيِّ السَّنَةِ: اعْتِقْهَا عَنْ الْمَيِّتِ فَأَعْتَقَهَا أَوْ اُحْتُضِرَ الْوَصِيُّ فَأَوْصَى إلَى آخَرَ أَنْ يُعْتِقَهَا عَنْ الْمَيِّتِ جَازَ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْمَأْمُورِ بِالْعِتْقِ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ إذَا أَمَرَ غَيْرَهُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ نَائِبٌ مَحْضٌ، وَالْآمِرُ مَا أَنَابَهُ مَنَابَ نَفْسِهِ فِي الْوَصِيَّةِ إلَى الْغَيْرِ وَلِلْوَصِيِّ وِلَايَةُ تَحْصِيلِ الْمَقْصُودِ بِنَفْسِهِ، وَفِي أَمْرِهِ غَيْرَهُ بِذَلِكَ وَإِيصَائِهِ إلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِ تَحْصِيلُ مَقْصُودِ الْمُوصِي فَيَصِحُّ ذَلِكَ مِنْ الْوَصِيِّ.
وَإِذَا أَوْصَى بِعِتْقِ مَا فِي بَطْنِ جَارِيَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ مَا فِي الْبَطْنِ كَالْمُنْفَصِلِ فِي حُكْمِ مَقْصُودِ الْمُعْتِقِ فِيهِ فَإِنْ أَعْتَقَ الْأُمَّ بَعْضُ الْوَرَثَةِ فَهِيَ حُرَّةٌ عَنْهُ، وَمَا فِي بَطْنِهَا حُرٌّ عَنْ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ الْجَنِينَ تَابِعٌ لِلْأُمِّ فِي الْعِتْقِ الَّذِي أَوْجَبَهُ الْمُعْتِقُ فِيهَا.
وَلَوْ أَعْتَقَ الْجَنِينَ أَحَدُهُمَا عَتَقَ عَنْ الْمَيِّتِ فَكَذَلِكَ إذَا أَعْتَقَ الْأُمَّ أَحَدُهُمْ، وَقَدْ صَارَتْ الْأُمُّ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمْ بِالْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّهَا فَارِغَةٌ عَنْ الْوَصِيَّةِ، فَإِذَا أَعْتَقَهَا أَحَدُهُمْ يُخَيَّرُ شُرَكَاؤُهُ كَمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي عِتْقِ أَحَدِ الشُّرَكَاءِ الْمَمْلُوكَ الْمُشْتَرَكَ، إنْ دَبَّرَهَا قَبْلَ أَنْ تَلِدَ فَتَدْبِيرُهُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ نَصِيبَهُ مِنْهَا، وَمِنْ ضَرُورَةِ نُفُوذِ التَّدْبِيرِ مِنْهُ فِي نَصِيبِهِ مِنْهَا نُفُوذُهُ فِي نَصِيبِهِ مِنْ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّ الْجَنِينَ لَا يَنْفَصِلُ عَنْهَا فِي حُكْمِ التَّدْبِيرِ كَمَا لَا يَنْفَصِلُ فِي حُكْمِ الْعِتْقِ، فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ جُزْءٍ مِنْهَا وَتَبْطُلُ وَصِيَّةُ الْمَيِّتِ فِي الْجَنِينِ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَمْلُوكُ بَاقِيًا عَلَى مِلْكِ الْمُوصِي حُكْمًا لِيُعْتَقَ عَنْهُ فَيَكُونُ وَلَاؤُهُ لَهُ، وَيَنْفُذُ التَّدْبِيرُ مِنْ الَّذِي دَبَّرَ فِي بَعْضِ الْجَنِينِ عَنْ نَفْسِهِ بِتَقَرُّرِ مِلْكِهِ، وَيَسْتَحِقُّ وَلَاءَهُ ضَرُورَةً فَيَفُوتُ بِهِ مَحَلُّ الْوَصِيَّةِ.
وَلَوْ أَوْصَى أَنْ يُعْتِقَ عَنْهُ جَارِيَتَهُ فُلَانَةَ بَعْدَ مَوْتِهِ بِسَنَةٍ، وَهِيَ الثُّلُثُ فَبَاعَهَا الْوَرَثَةُ فَبَيْعُهُمْ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ حُكْمًا مَشْغُولَةٌ بِحَاجَتِهِ فَبَيْعُهُمْ إيَّاهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَبَيْعِهِمْ إيَّاهَا قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي أَوْ كَبَيْعِ الْوَرَثَةِ التَّرِكَةَ الْمُسْتَغْرَقَةَ بِالدَّيْنِ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ فَهَذَا أَيْضًا كَذَلِكَ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ فِي الْبَيْعِ إبْطَالَ الْوَصِيَّةِ بِالْعِتْقِ أَصْلًا فَإِنْ وَلَدَتْ مِنْ الْمُشْتَرِي، فَالْوَلَدُ وَلَدُهُ، وَالْمُشْتَرِي مَغْرُورٌ مِنْ جِهَةِ الْوَرَثَةِ حَيْثُ لَمْ يَعْلَمْ بِالْوَصِيَّةِ حِينَ اشْتَرَاهَا وَوَلَدُ الْمَغْرُورِ حُرٌّ بِالْقِيمَةِ إلَّا أَنَّ هَهُنَا لَا قِيمَةَ لَهَا؛ لِأَنَّهَا لَوْ وَجَبَتْ وَجَبَتْ لِلْوَرَثَةِ، وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرْجِعَ بِهَا عَلَيْهِمْ لِأَجْلِ الْغُرُورِ فَلَا فَائِدَةَ فِي إيجَابِهَا، وَعَلَيْهِ الْعُقْرُ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَهَا بِشُبْهَةٍ وَإِيجَابُ الْعُقْرِ مُقَيَّدٌ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَرْجِعُ بِمَا يَغْرَمُ مِنْ الْعُقْرِ عَلَى الْبَائِع بِسَبَبِ الْغُرُورِ، وَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ لِبُطْلَانِ الْبَيْعِ، وَتُؤْخَذُ الْجَارِيَةُ وَتُعْتَقُ عَنْ الْمَيِّتِ بَعْدَ سَنَةٍ كَمَا أَوْصَى.
وَلَوْ أَوْصَى بِعِتْقِ جَارِيَتِهِ، وَقِيمَتُهَا أَلْفٌ، وَلَهُ أَلْفَانِ فَهَلَكَتْ الْأَلْفَانِ قَبْلَ أَنْ يُعْتِقَهَا الْوَصِيُّ فَإِنَّ الْجَارِيَةَ يُعْتَقُ ثُلُثُهَا وَتَسْعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهَا؛ لِأَنَّ مَا هَلَكَ مِنْ الْمَالِ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْوَرَثَةِ صَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ، وَهُوَ وَالْهَالِكُ قَبْلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute