لَوْ رَاجَعَهَا بِالتَّقْبِيلِ أَوْ الْمَسِّ عَنْ شَهْوَةٍ حَتَّى رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ إذَا كَانَ أَخَذَ بِيَدِ امْرَأَتِهِ عَنْ شَهْوَةٍ فَقَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ يَقَعُ عَلَيْهَا ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ فِي الْحَالِ يَتْبَعُ بَعْضُهَا بَعْضًا لِأَنَّ كُلَّمَا وَقَعَ عَلَيْهَا تَطْلِيقَةٌ صَارَ مُرَاجِعًا لَهَا فَتَقَعُ أُخْرَى فَأَمَّا إذَا رَاجَعَهَا بِالْجِمَاعِ فَإِنْ لَمْ تَحْبَلْ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا أُخْرَى فِي هَذَا الطُّهْرِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ طُهْرٌ قَدْ جَامَعَهَا فِيهِ وَإِنْ رَاجَعَهَا بِالْجِمَاعِ فَحَبِلَتْ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا أُخْرَى أَيْضًا لِأَنَّهُ قَدْ طَلَّقَهَا فِي هَذَا الطُّهْرِ وَاحِدَةً وَالطُّهْرُ الْوَاحِدُ لَا يَكُونُ مَحَلًّا لِأَكْثَرَ مِنْ تَطْلِيقَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا أُخْرَى لِأَنَّ الْعِدَّةَ الْأُولَى قَدْ سَقَطَتْ وَالطَّلَاقُ عَقِيبَ الْجِمَاعِ فِي الطُّهْرِ إنَّمَا لَا يَحِلُّ لِاشْتِبَاهِ أَمْرِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ إذَا حَبِلَتْ وَظَهَرَ الْحَبَلُ بِهَا.
(قَالَ)، وَإِذَا طَلَّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَاحِدَةً بَائِنَةً فَقَدْ أَخْطَأَ السُّنَّةَ وَالطَّلَاقُ وَاقِعٌ عَلَيْهَا، وَفِي زِيَادَاتِ الزِّيَادَاتِ قَالَ التَّطْلِيقَةُ الْبَائِنَةُ تَقَعُ بِصِفَةِ السُّنَّةِ كَالرَّجْعِيَّةِ لِأَنَّ «ابْنَ رُكَانَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إيقَاعَ الطَّلَاقِ بِهَذَا اللَّفْظِ» فَلَوْ كَانَ خِلَافَ السُّنَّةِ لَأَنْكَرَ عَلَيْهِ كَمَا أَنْكَرَ عَلَى ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَالْوَاقِعُ بِهَذَا اللَّفْظِ يَكُونُ بَائِنًا وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَالْخُلْعُ فَإِنَّهُ يَقَعُ بَائِنًا وَلَا يَكُونُ مَكْرُوهًا فَأَمَّا وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ إبَاحَةَ الْإِيقَاعِ لِلْحَاجَةِ إلَى التَّفَصِّي عَنْ عُهْدَةِ النِّكَاحِ وَلَا حَاجَةَ بِهِ إلَى زِيَادَةِ صِفَةِ الْبَيْنُونَةِ فَكَانَتْ زِيَادَةُ هَذِهِ الصِّفَةِ كَزِيَادَةِ الْعَدَدِ ثُمَّ لَا مَقْصُودَ لَهُ فِي ذَلِكَ سِوَى رَدِّ نَظَرِ الشَّرْعِ لَهُ بِقَطْعِ خِيَارِ الرَّجْعَةِ وَسَدِّ بَابِ التَّلَافِي عَلَى نَفْسِهِ عِنْدَ النَّدَمِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْخُلْعِ فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ لِاسْتِرْدَادِ مَا سَاقَ لَهَا مِنْ الصَّدَاقِ إذَا كَانَ النُّشُوزُ مِنْهَا مَعَ أَنَّ الْخُلْعَ لَا يَكُونُ إلَّا عِنْدَ تَحَقُّقِ الْحَاجَةِ وَلِهَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ وَالطَّلَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا يَكُونُ إلَّا بَائِنًا وَاَلَّتِي لَمْ يُدْخَلْ بِهَا لَيْسَتْ نَظِيرَ الَّتِي دُخِلَ بِهَا بِدَلِيلِ الْإِيقَاعِ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ وَتَأْوِيلُ حَدِيثِ ابْنِ رُكَانَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا وَقَبْلَ الدُّخُولِ بِأَيِّ لَفْظٍ أَوْقَعَ يَكُونُ بَائِنًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَخَّرَ الْإِنْكَارَ إلَى وَقْتٍ آخَرَ لِعِلْمِهِ أَنَّهُ لِفَرْطِ الْغَيْظِ لَا يَقْبَلُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute