لِابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - هَلْ احْتَسَبْت بِتِلْكَ الطَّلْقَةِ فَقَالَ وَمَالِي لَا أَحْتَسِبُ بِهَا وَإِنْ اسْتَحْمَقْتُ أَوْ اسْتَجْهَلْتُ أَكَانَ لَا يَقَعُ طَلَاقِي وَلَمَّا ذُكِرَ لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي الشُّورَى ابْنُهُ فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ أُقَلِّدُ أُمُورَ الْمُسْلِمِينَ مِمَّنْ لَمْ يُحْسِنْ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ فَطَلَّقَهَا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ فَهُوَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ ذَلِكَ الطَّلَاقَ كَانَ وَاقِعًا وَأَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْمَرْءِ أَنْ يَصُونَ نَفْسَهُ عَنْ ذَلِكَ. .
(قَالَ) ثُمَّ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا كَمَا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِأَنَّهُ لَوْ رَاجَعَهَا لَمْ تَبِنْ مِنْهُ بِطَلَاقٍ مَحْظُورٍ وَيَنْدَفِعُ عَنْهَا ضَرَرُ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ فَإِذَا لَمْ يُرَاجِعْهَا بَانَتْ مِنْهُ بِطَلَاقٍ مَحْظُورٍ وَيَتَحَقَّقُ مَعْنَى تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ فَلِهَذَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا. (قَالَ) فَإِذَا طَهُرَتْ مِنْ حَيْضَةٍ أُخْرَى طَلَّقَهَا إنْ شَاءَ وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّهَا إذَا طَهُرَتْ مِنْ هَذِهِ الْحَيْضَةِ لَا يُبَاحُ إيقَاعُ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ إذَا طَلَّقَهَا فِي الْحَيْضِ ثُمَّ طَهُرَتْ مِنْ تِلْكَ الْحَيْضَةِ يُبَاحُ إيقَاعُ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا وَقِيلَ مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِأَنَّ وَقْتَ السُّنَّةِ الطُّهْرُ الَّذِي لَا جِمَاعَ فِيهِ وَقَدْ وُجِدَ وَمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ قَوْلُهُمَا لِأَنَّ الْفَصْلَ بَيْنَ الطَّلَاقَيْنِ بِحَيْضَةٍ كَامِلَةٍ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إذَا طَهُرَتْ مِنْ هَذِهِ الْحَيْضَةِ وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - رُوِيَ بِرِوَايَتَيْنِ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ «مُرْ ابْنَك فَلْيُرَاجِعْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ وَتَطْهُرَ ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا إنْ شَاءَ» فَهُوَ دَلِيلُ قَوْلِهِمَا وَمِنْ طَرِيقٍ آخَرَ «مُرْ ابْنَك فَلْيُرَاجِعْهَا فَإِذَا حَاضَتْ وَطَهُرَتْ فَلْيُطَلِّقْهَا إنْ شَاءَ» وَهَذَا يَحْتَمِلُ بَقِيَّةَ هَذِهِ الْحَيْضَةِ كَمَا هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَكَذَلِكَ إنْ طَلَّقَهَا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ.
(قَالَ) وَلَوْ طَلَّقَهَا فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ وَاحِدَةً ثُمَّ رَاجَعَهَا بِالْقَوْلِ فَأَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا أُخْرَى فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ لِلسُّنَّةِ فَلَهُ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعَنْ مُحَمَّدٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِيهِ رِوَايَتَانِ فَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ شَرْطُ الْفَصْلِ بَيْنَ طَلَاقَيْ السُّنَّةِ الْحَيْضَةُ الْكَامِلَةُ كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَلْيُطَلِّقْهَا فِي كُلِّ قُرْءٍ تَطْلِيقَةً» وَلِأَنَّ إيقَاعَ تَطْلِيقَةٍ فِي طُهْرٍ فِي الْمَنْعِ مِنْ تَطْلِيقَةٍ أُخْرَى فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ كَالْجِمَاعِ فَكَمَا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا بَعْدَ الْجِمَاعِ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ فَكَذَلِكَ بَعْدَ الطَّلَاقِ وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ الْفَصْلُ بِالْحَيْضَةِ إنَّمَا يُعْتَبَرُ إذَا كَانَتْ الثَّانِيَةُ تَقَعُ فِي الْعِدَّةِ وَبِالْمُرَاجَعَةِ قَدْ ارْتَفَعَتْ الْعِدَّةُ فَكَانَتْ الثَّانِيَةُ بِمَنْزِلَةِ ابْتِدَاءِ الْإِيقَاعِ وَقَدْ حَصَلَ فِي طُهْرٍ لَا جِمَاعَ فِيهِ ثُمَّ الرَّجْعَةُ تُسْقِطُ جَمِيعَ الْعِدَّةِ وَلَوْ تَخَلَّلَ بَيْنَ التَّطْلِيقَتَيْنِ مَا يُسْقِطُ بَعْضَ الْعِدَّةِ كَانَتْ الثَّانِيَةُ وَاقِعَةً عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ فَإِذَا تَخَلَّلَ مَا يُسْقِطُ جَمِيعَ الْعِدَّةِ أَوْلَى وَكَذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute