وَالْعَطْفُ لِلِاشْتِرَاكِ، وَهُوَ صَحِيحٌ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ الْمُتَّصِلَ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ إذَا كَانَ فِي آخِرِهِ مَا يُغَيِّرُ مُوجِبَ أَوَّلِهِ يَتَوَقَّفُ أَوَّلُهُ عَلَى آخِرِهِ وَيَصِيرُ هَذَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَقَرَّ لَهُمَا مَعًا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ كَلَامُهُ مُتَّصِلًا؛ لِأَنَّ الْبَيَانَ الْمُغَيِّرَ لَهُ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِثْنَاءِ يَصِحُّ مَوْصُولًا لَا مَفْصُولًا وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْإِقْرَارِ قَالَ: وَإِذَا أَقَرَّ أَنَّهُ أَوْصَى بِهِ لِفُلَانٍ وَدَفَعَهُ إلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: لَا بَلْ لِفُلَانٍ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ حَتَّى يَدْفَعَ مِثْلَهُ إلَى الثَّانِي، وَلَا يُصَدَّقُ عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ بِالْكَلَامِ الثَّانِي أَقَرَّ أَنَّ الثُّلُثَ كَانَ مُسْتَحَقًّا لِلثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ وَقَدْ دَفَعَهُ إلَى الْأَوَّلِ بِاخْتِيَارِهِ فَصَارَ مُسْتَهْلِكًا لِلْمَدْفُوعِ، وَيَجْعَلُ ذَلِكَ كَالْقَائِمِ فِي حَقِّهِ فَلَزِمَهُ دَفْعُ مِثْلِهِ إلَى الثَّانِي، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الرُّجُوعِ عَنْ الِاسْتِحْقَاقِ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ لِلْأَوَّلِ وَلَوْ كَانَ دَفَعَهُ إلَى الْأَوَّلِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي لَمْ يَضْمَنْ لِلثَّانِي شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ مَا اسْتَهْلَكَ شَيْئًا مِنْ الْمَالِ فَإِنَّ الدَّفْعَ كَانَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَمَحَلُّ الْوَصِيَّةِ تَعَيَّنَ فِيمَا قَضَى بِهِ الْقَاضِي لِلْأَوَّلِ فَيَكُونُ هُوَ شَاهِدًا لِلثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ.
وَالشَّاهِدُ إذَا رُدَّتْ شَهَادَتُهُ لَمْ يَغْرَمْ شَيْئًا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَهُنَاكَ هُوَ الَّذِي دَفَعَ بِنَفْسِهِ فَكَانَ مُسْتَهْلِكًا، وَتَعْيِينُهُ فِي حَقِّ الثَّانِي غَيْرُ صَحِيحٍ فَيُجْعَلُ فِي حَقِّ الثَّانِي كَأَنَّ مَحَلَّ الْوَصِيَّةِ فِي يَدِهِ عَلَى حَالِهِ، وَلَوْ أَقَرَّ لِرَجُلٍ بِوَصِيَّةِ أَلْفٍ بِعَيْنِهَا، وَهُوَ الثُّلُثُ، ثُمَّ أَقَرَّ لِآخَرَ بَعْدَ ذَلِكَ بِالثُّلُثِ، ثُمَّ رَفَعَ إلَى الْقَاضِي فَإِنَّهُ يَنْقُدُ الْأَلْفَ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ، وَالْمَالُ فَارِغٌ عَنْ حَقِّ الْغَيْرِ وَبِقَضَاءِ الْقَاضِي يَتَعَيَّنُ الْمَدْفُوعُ إلَى الْأَوَّلِ مَحَلًّا لِلْوَصِيَّةِ، وَلَا يَكُونُ لِلثَّانِي عَلَى الْوَارِثِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْ مَحَلِّ الْوَصِيَّةِ فِي يَدِهِ وَيَتَبَيَّنُ أَنَّ الْوَارِثَ فِي الْكَلَامِ الثَّانِي كَانَ شَاهِدًا لِلثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ لَا مُقِرًّا لَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَشَهَادَةُ الْوَرَثَةِ عَلَى الْوَصِيَّةِ جَائِزَةٌ كَمَا تَجُوزُ شَهَادَةُ غَيْرِ الْوَارِثِ؛ لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ بَلْ عَلَيْهِ فِيهَا ضَرَرٌ.
قَالَا: وَإِذَا شَهِدَ وَارِثَانِ أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى لِفُلَانٍ بِالثُّلُثِ فَدَفَعَا ذَلِكَ إلَيْهِ، ثُمَّ شَهِدَا إنَّمَا كَانَ أَوْصَى بِهِ لِآخَرَ، وَقَالَا: أَخْطَأْنَا فَإِنَّهُمَا لَا يُصَدَّقَانِ عَلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُمَا رَجَعَا عَنْ شَهَادَتِهِمَا بَعْدَ تَمَامِ الِاسْتِحْقَاقِ لِلْأَوَّلِ فَلَا يَعْمَلُ رُجُوعُهَا فِي حَقِّهِ، وَهُمَا ضَامِنَانِ لِلثُّلُثِ يَدْفَعَانِهِ إلَى الْآخَرِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُمَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا صَحِيحٌ، وَقَدْ أَقَرَّا أَنَّهُمَا اسْتَهْلَكَا مَحَلَّ حَقِّ الثَّانِي بِالدَّفْعِ إلَى الْأَوَّلِ فَكَانَا ضَامِنَيْنِ لَهُ وَلَوْ لَمْ يَكُونَا دَفَعَا شَيْئًا أَجَزْتُ شَهَادَتَهُمَا لِلْآخَرِ، وَأَبْطَلْتُ وَصِيَّةَ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُمَا يَشْهَدَانِ لِلْأَوَّلِ عَلَى الْآخَرِ فَإِنَّ مَحَلَّ الْوَصِيَّةِ مَا ثَبَتَ مُسْتَحَقًّا لِلْأَوَّلِ، وَقَدْ شَهِدَا أَنَّ اسْتِحْقَاقَ ذَلِكَ الْمَحَلِّ لِلثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ فَوَجَبَ قَبُولُ شَهَادَتِهِمَا لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ عَنْهُمَا خِلَافَ الْأَوَّلِ فَقَدْ صَارَا ضَامِنَيْنِ هُنَاكَ لِأَنَّهُمَا مُتَّهَمَانِ فِي حَقِّ الْأَوَّلِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُمَا قَصَدَا بِشَهَادَتِهِمَا لِلثَّانِي إسْقَاطَ الضَّمَانِ عَنْ أَنْفُسِهِمَا
قَالَ: وَإِذَا كَانَتْ الْوَرَثَةُ ثَلَاثَةً وَالْمَالُ ثَلَاثَةَ آلَافٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute