للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَأَخَذَ كُلُّ إنْسَانٍ أَلْفًا، ثُمَّ أَقَرَّ أَحَدُهُمْ أَنَّ أَبَاهُ أَوْصَى بِالثُّلُثِ لِفُلَانٍ وَجَحَدَ الْآخَرَانِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُعْطِيه ثُلُثَ مَا فِي يَدِهِ اسْتِحْسَانًا وَفِي الْقِيَاسِ يُعْطِيهِ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ وَفِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ ثَلَاثَةَ أَخْمَاسِ مَا فِي يَدِهِ وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ الْمُقِرَّ فِي حَقِّ نَفْسِهِ كَانَ مَا أَقَرَّ بِهِ حَقٌّ، وَلَا يُصَدَّقُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، فَإِذَا كَانَا اثْنَيْنِ فَالْمُقِرُّ يَزْعُمُ أَنَّ حَقَّهُ فِي التَّرِكَةِ وَحَقَّ الْمُقِرِّ لَهُ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ: لَهُ الثُّلُثُ وَصِيَّةٌ وَالثُّلُثَانِ بَيْنِي وَبَيْنَ آخَرَ نِصْفَانِ، وَإِذَا كَانَ يَزْعُمُ أَنَّ حَقَّهُمَا سَوَاءٌ يَقْسِمُ مَا فِي يَدِهِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ كَمَا لَوْ أَقَرَّا بِأَخٍ آخَرَ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُمَا يَزْعُمَانِ أَنَّ حَقَّ الْجَاحِدِ فِي ثُلُثِ الْمَالِ، وَقَدْ أَخَذَ نِصْفَ الْمَالِ فَمَا أَخَذَهُ زِيَادَةً عَلَى حَقِّهِ كَالتَّاوِي فَلَا يَكُونُ ضَرَرُ ذَلِكَ عَلَى أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ، وَكَذَلِكَ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ الْمُقِرُّ يَزْعُمُ أَنَّ لِلْمَقَرِّ لَهُ الثُّلُثُ وَالثُّلُثَانِ بَيْنَنَا أَثْلَاثًا، وَحَقُّهُ فِي ثَلَاثَةٍ مِنْ تِسْعَةٍ وَحَقِّي فِي سَهْمَيْنِ فَيَجْعَلُ مَا فِي يَدِهِ بَيْنَهُمَا أَخْمَاسًا بِاعْتِبَارِ زَعْمِهِ.

وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْجَاحِدَ مَعَ مَا أَخَذَ يُجْعَلُ كَالْمَعْدُومِ، وَكَأَنَّ جَمِيعَ التَّرِكَةِ مَا فِي يَدِ الْمُقِرِّ، وَهُوَ الْوَارِثُ، فَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَدْفَعَ الثُّلُثَ إلَى الْمُقِرِّ لَهُ بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ.

يُوَضِّحُهُ أَنَّا لَوْ أَخَذْنَا بِالْقِيَاسِ فَأَمَرْنَاهُ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ، ثُمَّ أَقَرَّ الِابْنُ الْآخَرُ بِالْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ الْآخَرِ، فَإِنَّهُ يَدْفَعُ إلَيْهِ نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ أَيْضًا فَيُؤَدِّي إلَى تَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ فِي نِصْفِ الْمَالِ، وَالْوَصِيَّةُ لَا تَنْفُذُ فِي أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ؛ فَلِهَذَا أَخَذْنَا بِالْقِيَاسِ.

وَلَوْ كَانَ الْمَالُ أَلْفًا عَيْنًا، وَأَلْفًا دَيْنًا عَلَى أَحَدِهِمَا فَأَقَرَّ الَّذِي لَيْسَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَنَّ أَبَاهُمَا أَوْصَى لِهَذَا بِالثُّلُثِ أَخَذَ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفِ ثُلُثَهَا، وَكَانَ لِلْمُقِرِّ ثُلُثَاهَا؛ لِأَنَّ فِي زَعْمِ الْمُقِرِّ أَنَّ حَقَّ الْمُقَرِّ لَهُ فِي ثُلُثِ كُلِّ أَلْفٍ، وَكَانَ مَنَعَهُ الِابْنُ الْمَدْيُونُ حَقَّهُ فِي الدَّيْنِ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ مِنْ الْعَيْنِ زِيَادَةً عَلَى حَقِّهِ؛ فَلِهَذَا يُعْطِيهِ ثُلُثَ الْعَيْنِ الَّذِي فِي يَدِهِ، وَفِي الْقِيَاسِ يُعْطِيهِ نِصْفَ ذَلِكَ لِإِقْرَارِهِ أَنَّ حَقَّهُمَا فِي التَّرِكَةِ سَوَاءٌ.

وَلَوْ كَانَ الْمَالُ كُلُّهُ عَيْنًا فَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفًا، ثُمَّ أَقَرَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِيَالِهِ الرَّجُلَ غَيْرَ الَّذِي أَقَرَّ لَهُ صَاحِبُهُ أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى لَهُ بِالثُّلُثِ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا يَأْخُذُ ثُلُثَ مَا فِي يَدِ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ، وَهَذَا يَدُلُّك عَلَى أَنَّ تَرْكَ الْقِيَاسِ أَحْسَنُ مِنْ الْقِيَاسِ، وَأَنَّ الْقِيَاسَ فِي هَذَا فَاحِشٌ قَبِيحٌ يَعْنِي أَنَّ الْقَوْلَ بِهِ يُؤَدِّي إلَى تَنْفِيذ الْوَصِيَّة ةِ فِي نِصْفِ الْمَالِ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّ الْمَيِّتَ لَوْ تَرَكَ امْرَأَةً وَابْنًا فَأَخَذَتْ الْمَرْأَةُ الثُّمُنَ، ثُمَّ أَقَرَّتْ أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى لِهَذَا بِالثُّلُثِ فَإِنَّ الْمُقِرَّ لَهُ يَأْخُذ ثُلُثُ مَا فِي يَدِهَا.

وَلَوْ أَخَذْنَا بِالْقِيَاسِ لَكَانَ يَأْخُذُ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ مَا فِي يَدِهَا؛ لِأَنَّهَا تَزْعُمُ أَنَّ حَقَّ الْمُوصَى لَهُ فِي أَرْبَعَةٍ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ، وَحَقُّهَا فِي وَاحِدٍ، وَهُوَ ثُمُنُ مَا بَقِيَ فَبِهَذَا وَنَحْوِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْأَخْذَ بِالْقِيَاسِ هَهُنَا قَبِيحٌ قَالَ: وَلَوْ تَرَكَ اثْنَيْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>