وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا فَاقْتَسَمَاهَا نِصْفَيْنِ، ثُمَّ غَابَ أَحَدُهُمَا فَأَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْحَاضِرِ بِوَصِيَّةٍ بِالثُّلُثِ أَخَذَ مِنْهُ نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّ حَقَّهُمَا فِي التَّرِكَةِ عَلَى السَّوَاءِ فَأَخَذْنَا بِالْقِيَاسِ هَهُنَا بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ هَهُنَا وَصِيَّةُ الْمَشْهُودِ لَهُ ثَبَتَتْ فِي حَقِّ الْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ حَتَّى إذَا رَجَعَ الْغَائِبُ كَانَ لَهُمَا أَنْ يَرْجِعَا عَلَيْهِ بِمَا أَخَذَاهُ زِيَادَةً عَلَى حَقِّهِ فَلَا يُجْعَلُ هُوَ مَعَ مَا فِي يَدِهِ كَالْمَعْدُومِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْإِقْرَارِ.
يُوَضِّحُهُ: أَنَّ هَهُنَا لَوْ أَقَامَ آخَرُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ أَيْضًا عَلَى الْغَائِبِ، ثُمَّ اجْتَمَعَا لَمْ يَكُنْ لَهُمَا إلَّا الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَلَا يُؤَدِّي هَذَا إلَى تَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ فِي أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ عَلَى مَا بَيَّنَّا.
وَإِذَا أَقَرَّ الْوَارِثُ بِوَصِيَّةٍ لِرَجُلٍ تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ بِعِتْقٍ، ثُمَّ أَقَرَّ بِدَيْنٍ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى إبْطَالِ الْوَصِيَّةِ وَالْعِتْقِ وَكَانَ الدَّيْنُ عَلَيْهِ فِي نَصِيبِهِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الدَّيْنِ جَمِيعُ التَّرِكَةِ، وَقَدْ بَقِيَ فِي يَدِهِ جُزْءٌ مِنْ التَّرِكَةِ فَيُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ مِنْهُ بِإِقْرَارِهِ، وَأَصْلُ هَذَا الْفَرْقِ فِيمَا إذَا أَقَرَّ أَحَدُ الِابْنَيْنِ بِدَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ، فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِقَضَاءِ جَمِيعِ الدَّيْنِ مِنْ نَصِيبِهِ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ، وَقَدْ أَوْضَحْنَا هَذَا فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ فَإِنْ أَقَرَّ الْوَارِثُ بِدَيْنٍ، ثُمَّ أَقَرَّ بِدَيْنٍ يَبْدَأُ بِالْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ إقْرَارِهِ عَلَى الْمَيِّتِ بِالدَّيْنِ بِاعْتِبَارِ مَا فِي يَدِهِ مِنْ التَّرِكَةِ، وَقَدْ صَارَ ذَلِكَ مُسْتَحَقًّا لِلْأَوَّلِ، وَهُوَ فَارِغٌ حِينَ الْإِقْرَارِ لَهُ، إنَّمَا أَقَرَّ لِلثَّانِي وَالْمَحَلُّ مَشْغُولٌ بِحَقِّ غَيْرِهِ فَلَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ مَا لَمْ يَفْرُغْ الْمَحَلُّ مِنْ حَقِّ الْأَوَّلِ كَالرَّاهِنِ إذَا أَقَرَّ بِالْمَرْهُونِ لِإِنْسَانٍ فَإِنْ أَقَرَّ لَهُمَا فِي كَلَامٍ مُتَّصِلٍ اسْتَوَيَا؛ لِأَنَّ فِي آخِرِ كَلَامِهِ مَا يُغَيِّرُ مُوجِبَ أَوَّلِهِ، وَإِذَا قَالَ الْوَارِثُ: لِفُلَانٍ كَذَا مِنْ الدَّيْنِ وَلِفُلَانٍ كَذَا مِنْ الْوَدِيعَةِ، الْوَدِيعَةُ بِعَيْنِهَا، وَهُوَ مَا تَرَكَ الْمَيِّتُ فَإِنَّهُمَا يَتَحَاصَّانِ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ حِينَ أَقَرَّ الْوَدِيعَةِ فَقَدْ أَقَرَّ هُنَاكَ بِدَيْنٍ شَاغِلٍ لِمَا فِي يَدِهِ مِنْ التَّرِكَةِ فَيَكُونُ هَذَا بِمَعْنَى إقْرَارِهِ بِوَدِيعَةٍ مُسْتَهْلَكَةٍ فَكَأَنَّهُ اسْتَهْلَكَهَا بِتَقْدِيمِ الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ عَلَيْهَا، وَالْإِقْرَارُ بِوَدِيعَةٍ مُسْتَهْلَكَةٍ إقْرَارٌ بِالدَّيْنِ، وَكَأَنَّهُ أَقَرَّ بِدَيْنَيْنِ فِي كَلَامٍ مَوْصُولٍ، إنْ بَدَأَ الْوَدِيعَةِ، ثُمَّ بِالدَّيْنِ بُدِئَ الْوَدِيعَةِ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِهَا، وَلَا دَيْنَ هُنَاكَ فَصَارَتْ عَيْنُهَا مُسْتَحَقَّةً لِلْمُقَرِّ لَهُ، ثُمَّ الْإِقْرَارُ بِالدَّيْنِ إنَّمَا يَصِحُّ فِي تَرِكَةِ الْمَيِّتِ لَا فِيمَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ تَرِكَتِهِ.
وَإِذَا أَقَرَّ بِوَدِيعَةٍ بِعَيْنِهَا، ثُمَّ بِوَدِيعَةٍ أُخْرَى بِكَلَامٍ مُتَّصِلٍ بُدِئَ بِالْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ اسْتَحَقَّ ذَلِكَ الْعَيْنَ بِنَفْسِهِ بِنَفْسِ الْإِقْرَارِ، وَالْإِقْرَارُ الثَّانِي لَا يَصِحُّ فِي الْمَحَلِّ الَّذِي اسْتَحَقَّهُ الْأَوَّلُ، وَهَذَا بِخِلَافِ الدَّيْنَيْنِ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ ثُبُوتِ الدَّيْنَيْنِ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا فِي التَّرِكَةِ فَكَانَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ مَا يُغَيِّرُ مُوجِبَ أَوَّلِهِ، وَهَهُنَا لَيْسَ مُوجِبَ ثُبُوتِ الْوَدِيعَةِ بِأَعْيَانِهِمَا الشَّرِكَةُ بَيْنَ الْمُقَرِّ لَهُمَا فِي شَيْءٍ بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَسْتَحِقُّ مَا أُقِرَّ لَهُ بِهِ بِعَيْنِهِ فَلَيْسَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ مَا يُغَيِّرُ مُوجِبَ أَوَّلِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute