للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلِهَذَا كَانَ الْمُتَّصِلُ وَالْمُنْقَطِعُ فِي هَذَا سَوَاءً حَتَّى إنَّهُ إذَا أَقَرَّ بِوَدِيعَتَيْنِ بِغَيْرِ أَعْيَانِهِمَا فَهُوَ وَالْإِقْرَارُ بِدَيْنَيْنِ سَوَاءٌ.

قَالَ: وَإِذَا أَقَرَّ أَحَدُ الْوَرَثَةِ بِدَيْنٍ، وَأَنْكَرَ ذَلِكَ بَقِيَّتُهُمْ لَزِمَهُ فِي نَصِيبِهِ جَمِيعُ الدَّيْنِ عِنْدَنَا بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ، وَفِي الْحَقِيقَةِ لَا فَرْقَ، فَإِنَّا نَجْعَلُ فِي مَوْضِعَيْنِ الْجَاحِدَ مَعَ مَا فِي يَدِهِ كَالْمَعْدُومِ، وَكَانَ الْوَارِثُ هُوَ الْمُقِرُّ، وَالتَّرِكَةُ مَا فِي يَدُهُ.

وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَ يُؤْمَرُ بِقَضَاءِ جَمِيعِ الدَّيْنِ مِمَّا فِي يَدِهِ إذَا كَانَ يَفِي بِذَلِكَ، وَلَا يُؤْمَرُ بِأَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ بِالْوَصِيَّةِ إلَّا الثُّلُثَ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ شَرِيكُ الْوَارِثِ وَالدَّيْنُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمِيرَاثِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا مِيرَاثَ لَهُ إلَّا بَعْدَ قَضَاءِ جَمِيعِ الدَّيْنِ.

وَلَوْ كَانَ الْوَارِثُ وَاحِدًا، فَقَالَ: هَذِهِ الْوَدِيعَةُ لِفُلَانٍ لَا بَلْ لِفُلَانٍ أَوْ قَالَ: هِيَ لِفُلَانٍ، ثُمَّ قَالَ: بَعْدَ مَا سَكَتَ وَلِفُلَانٍ مَعَهُ فَإِنَّهَا لِلْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ اسْتَحَقَّهَا عَلَى وَجْهٍ لَا يَمْلِكُ الْوَارِثُ الرُّجُوعَ عَنْهُ، وَلَا الْإِشْرَاكَ لِغَيْرِهِ فِيهِ.

وَلَوْ قَالَ: هِيَ وَدِيعَةٌ لِفُلَانٍ وَدَفَعَهَا إلَيْهِ، ثُمَّ أَقَرَّ أَنَّهَا كَانَتْ لِهَذَا الْآخَرِ، وَأَنَّهُ قَدْ أَخْطَأَ فَهُوَ ضَامِنٌ لِلثَّانِي مِثْلَهَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَهْلَكَهَا بِالدَّفْعِ إلَى الْأَوَّلِ بِزَعْمِهِ، وَإِذَا لَمْ يَدْفَعْ فَهُوَ غَيْرُ مُسْتَهْلِكٍ شَيْئًا، إنَّمَا هُوَ شَاهِدٌ لِلثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ، وَعَلَى الْمَيِّتِ، وَقَدْ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ فَلَا يَكُونُ ضَامِنًا شَيْئًا.

قَالَ: وَلَوْ قَالَ: أُوصِي إلَى هَذَا بِالثُّلُثِ وَلِهَذَا عَلَى أَبِي دَيْنٌ أَلْفُ دِرْهَمٍ فِي كَلَامٍ مُتَّصِلٍ وَالدَّيْنُ يَسْتَغْرِقُ جَمِيعَ الْمَالِ أَجَزْتُ الدَّيْنَ، وَأَبْطَلْتُ الْوَصِيَّةَ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ وَفِي آخِرِ كَلَامِهِ مَا يُغَيِّرُ مُوجِبَ أَوَّلِهِ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ أَوَّلِ كَلَامِهِ اسْتِحْقَاقُ الْمُقِرِّ لَهُ ثُلُثَ التَّرِكَةِ فِي الْوَصِيَّةِ مُطْلَقًا، وَمُوجِبُ آخِرِ كَلَامِهِ أَنْ يَكُونَ اسْتِحْقَاقُ الْوَصِيَّةِ مُؤَخَّرًا عَنْ الدَّيْنِ، وَالْبَيَانُ مُعْتَبَرٌ صَحِيحٌ إذَا كَانَ مَوْصُولًا (أَلَا تَرَى) أَنَّهُ لَوْ قَالَ: أُوصِي إلَى فُلَانٍ بِالثُّلُثِ، وَأُعْتِقُ هَذَا الْعَبْدَ، وَهُوَ الثُّلُثُ صَدَّقْتُهُ فِي الْعِتْقِ، وَأَبْطَلْتُ الْوَصِيَّةَ؛ لِأَنَّهَا بَيَانٌ مُعْتَبَرٌ فَالْعِتْقُ الْمُنَفَّذُ مُقَدَّمٌ فِي الثُّلُثِ عَلَى سَائِرِ الْوَصَايَا، إنْ فَصَلَ مِنْ الْإِقْرَارَيْنِ أَجَزْتُ الثُّلُثَ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّ الْبَيَانَ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِثْنَاءِ لَا يَصِحُّ مَفْصُولًا فَيَبْقَى مَحَلُّ الْوَصِيَّةِ مُسْتَحَقًّا لِلْأَوَّلِ، وَقَدْ فَسَدَ رِقُّ الْعَبْدِ بِإِقْرَارِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْعَى فِي جَمِيعِ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ سُقُوطَ السِّعَايَةِ عَنْهُ بِاعْتِبَارِ الْوَصِيَّةِ وَلَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْ مَحَلِّ الْوَصِيَّةِ فَعَلَيْهِ السِّعَايَةُ فِي قِيمَتِهِ.

وَلَوْ أَقَرَّ الْوَارِثُ أَنَّ أَبَاهُ أَوْصَى لِفُلَانٍ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ، وَأَنَّهُ قَدْ أَجَازَهُ بَعْدُ مَوْتِ أَبِيهِ، ثُمَّ مَاتَ الْوَارِثُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَهُ الْمُوصَى لَهُ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ يُبْدَأُ بِهَا مِنْ مَالِ أَبِيهِ قَبْلَ دَيْنِ الْوَارِثِ؛ لِأَنَّ مَا أَقَرَّ بِهِ الْوَارِثُ مِنْ الْوَصِيَّةِ وَالْإِجَازَةِ كَالْمُعَايَنَةِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِي ذَلِكَ حِينَ أَقَرَّ فِي صِحَّتِهِ وَاسْتِحْقَاقُ الْمُوصَى لَهُ عِنْدَ إجَازَةِ الْوَارِثِ يَكُونُ بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ مِنْ جِهَةِ الْمُوَرِّثِ فَتَمَّ اسْتِحْقَاقُهُ بِنَفْسِ الْإِقْرَارِ بِهِ، ثُمَّ إقْرَارُهُ بِالدَّيْنِ إنَّمَا يَشْغَلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>