للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْأَرْضُ كُلُّهُمَا لِمَنْ افْتَتَحَهَا؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ وَإِنْ كَانَتْ مَمْلُوكَةً لِلْمُسْلِمِ فَهِيَ بُقْعَةٌ مِنْ بِقَاعِ دَارِ الْحَرْبِ، فَتَصِيرُ غَنِيمَةً لِظُهُورِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الدَّارِ، وَالزَّرْعُ قَبْلَ الْحَصَادِ تَبَعٌ لِلْأَرْضِ لِاتِّصَالِهِ بِهَا، وَلِهَذَا يُسْتَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ. وَلَوْ كَانَ الزَّرْعُ حُصِدَ وَلَمْ يُحْمَلْ مِنْ الْأَرْضِ حَتَّى ظَهَرُوا عَلَى الدَّارِ - كَانَتْ الْأَرْضُ وَنَصِيبُ الْحَرْبِيِّ مِنْ الزَّرْعِ فَيْئًا، وَلِلْمُسْلِمِ نَصِيبَهُ مِنْ الزَّرْعِ؛ لِأَنَّ التَّبَعِيَّةَ زَالَتْ بِالْحَصَادِ، وَصَارَتْ كَسَائِرِ الْمَنْقُولَاتِ فَنَصِيبُ الْحَرْبِيِّ مِنْ ذَلِكَ يَصِيرُ غَنِيمَةً كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ وَنَصِيبُ الْمُسْلِمِ لَا يَصِيرُ غَنِيمَةً كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ مِنْ الْمَنْقُولَاتِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى زَوَالِ التَّبَعِيَّةِ حُكْمُ الشُّفْعَةِ، فَإِنَّ الزَّرْعَ الْمَحْصُودَ لَا يُسْتَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ وَإِنْ لَمْ يُحْمَلْ مِنْ الْأَرْضِ. وَمِنْ أَيِّهِمَا كَانَ الْبَذْرُ فَالْجَوَابُ سَوَاءٌ. وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ صَاحِبُ الْأَرْضِ هُوَ الْحَرْبِيُّ وَالزَّارِعُ هُوَ الْمُسْلِمُ، فَإِنْ كَانَ الزَّرْعُ لَمْ يُحْصَدْ فَتَرَكَ الْإِمَامُ أَهْلَهَا، وَتَرَكَهُ فِي أَيْدِيهِمْ يُؤَدُّونَ الْخَرَاجَ كَمَا فَعَلَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِأَهْلِ السَّوَادِ - كَانَتْ الْأَرْضُ لِصَاحِبِهَا أَيَّهُمَا كَانَ، وَالزَّرْعُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا اشْتَرَطَا؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ قَرَّرَ مِلْكَهُمَا فِيهِ بِالْمَنِّ، وَإِذَا جَازَ ذَلِكَ فِي حِصَّةِ الْحَرْبِيِّ فَفِي حِصَّةِ الْمُسْلِمِ أَوْلَى.

وَلَوْ دَخَلَ مُسْلِمَانِ دَارَ الْحَرْبِ بِأَمَانٍ فَاشْتَرَى أَحَدُهُمَا أَرْضًا فَدَفَعَهَا إلَى صَاحِبِهِ مُزَارَعَةً بِالنِّصْفِ، فَاسْتَحْصَدَ الزَّرْعُ وَلَمْ يَحْصُدْ حَتَّى ظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الدَّارِ - فَالْأَرْضُ وَالزَّرْعُ فَيْءٌ لِمَا قُلْنَا. وَإِنْ ظَهَرُوا عَلَيْنَا بَعْدَ مَا حُصِدَ الزَّرْعُ فَالْأَرْضُ فَيْءٌ وَالزَّرْعُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا اشْتَرَطَا؛ لِأَنَّهُ مَنْقُولٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْمُسْلِمَيْنِ فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَلَا يَصِيرُ غَنِيمَةً بِالظُّهُورِ عَلَى الدَّارِ. وَإِنْ دَفَعَهَا الْمُسْلِمُ إلَى حَرْبِيٍّ مُزَارَعَةً بِالنِّصْفِ وَالْبَذْرُ مِنْ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ، وَالْعَمَلُ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا، فَأَخْرَجَتْ الْأَرْضُ الزَّرْعَ، ثُمَّ أَسْلَمَ أَهْلُ وَقَدْ اُسْتُحْصِدَ الزَّرْعُ، أَوْ لَمْ يُسْتَحْصَدْ - جَازَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - وَالْخَارِجُ بَيْنَهُمَا عَلَى الشَّرْطِ. وَفِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْخَرَاجُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ، وَلِلْآخَرِ الْأَجْرُ، وَهَذَا لِأَنَّ اشْتِرَاطَ عَمَلِ صَاحِبِ الْأَرْضِ مَعَ الْمُزَارِعِ فِي الْمُزَارَعَةِ إنَّمَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، فَأَمَّا فِي دَارِ الْحَرْبِ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْحَرْبِيِّ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي بَيَّنَّا. وَلَوْ لَمْ يُسْلِمْ أَهْلُ الدَّارِ. وَلَكِنْ ظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الدَّارِ - كَانَتْ الْأَرْضُ وَمَا فِيهَا فَيْئًا وَلَا شَيْءَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى صَاحِبِهِ مِنْ أَجْرٍ وَلَا غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمُعَامَلَةَ كَانَتْ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَلَا يُطَالِبُ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ بِشَيْءٍ مِنْهُ بَعْدَ مَا ظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الدَّارِ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ إنْ كَانَتْ لِلْحَرْبِيِّ فَقَدْ صَارَتْ غَنِيمَةً، وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ لِلْمُسْلِمِ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ صَاحِبَهُ بِأَجْرِهَا، وَنَفْسُ الْحَرْبِيِّ تَبَدَّلَتْ بِالرِّقِّ فَلَا تَتَوَجَّهُ لَهُ الْمُطَالَبَةُ بِالْأَجْرِ عَلَى الْمُسْلِمِ، وَلَا لِلْمُسْلِمِ عَلَيْهِ وَإِنْ تَرَكَهُمْ الْإِمَامُ فِي أَرْضِهِمْ كَمَا تَرَكَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَهْلَ السَّوَادِ

<<  <  ج: ص:  >  >>