لِلْإِسْقَاطِ فَإِذَا أَسْقَطَهُ تَمَّ الرِّضَا فِي الْعَيْبِ، وَالسَّبَبُ بِثُبُوتِ الْحَقِّ الْمُطَالَبَةُ بِالْجُزْءِ الْفَائِتِ وَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِلْإِسْقَاطِ فَإِذَا أَسْقَطَهُ تَمَّ الرِّضَا بِهِ وَهُنَا السَّبَبُ هُوَ الْجَهْلُ بِأَوْصَافِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَذَلِكَ لَا يَنْعَدِمُ إلَّا بِالرُّؤْيَةِ فَلِهَذَا لَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ، وَإِنْ أَسْقَطَهُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ جَهَالَةَ الْعَيْنِ كَمَا تَمْنَعُ جَوَازَ الْبَيْعِ تَمْنَعُ جَوَازَ النِّكَاحِ حَتَّى لَوْ قَالَ زَوَّجْتُكَ إحْدَى ابْنَتَيَّ أَوْ زَوَّجْتُكَ إحْدَى أَمَتَيَّ لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ ثُمَّ عَدَمُ الرُّؤْيَةِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ النِّكَاحِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ لَا يُوجِبُ جَهَالَةَ الْعَيْنِ إلَّا أَنَّ فِي النِّكَاحِ الْعَقْدُ يَلْزَمُ؛ لِأَنَّ لُزُومَهُ لَا يَعْتَمِدُ تَمَامَ الرِّضَا وَلِهَذَا لَزِمَ مَعَ اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ.
وَالْعَيْبُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَعَلَيْهِ نَقِيسُ، لِعِلَّةِ أَنَّ هَذَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَعَدَمُ رُؤْيَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لَا تَمْنَعُ جَوَازَهُ كَالنِّكَاحِ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا أَكْثَرُ مِنْ أَنَّ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالْعَقْدِ مُسْتَرَدٌّ بِغَيْرِهِ، وَهَذَا لَا يَمْنَعُ جَوَازَ الشِّرَاءِ كَمَا إذَا اشْتَرَى جَوْزًا أَوْ بَيْضًا أَوْ اشْتَرَى قُفَّاعًا فِي كُوزٍ يَجُوزُ فَالْمَقْصُودُ بِالْعَقْدِ مُسْتَرَدٌّ بِغَيْرِهِ يُوَضِّحُهُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يُجَوِّزُ بَيْعَ اللَّوْزِ الرَّطْبِ وَالْجَوْزُ الرَّطْبُ فِي قِشْرَيْنِ وَيَجُوزُ بَيْعُ الْيَابِسِ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ فِي قِشْرٍ وَاحِدٍ وَفِي الْوَجْهَيْنِ الْمَقْصُودُ وَهُوَ اللُّبُّ دُونَ الْقِشْرِ وَهُوَ مُسْتَرَدٌّ بِمَا لَيْسَ بِمَقْصُودٍ، وَهَذَا بِخِلَافِ السَّلَمِ؛ لِأَنَّ جَهَالَةَ الْوَصْفِ هُنَاكَ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ الْمَانِعَةِ مِنْ التَّسْلِيمِ وَلِأَنَّ الْعَقْدَ يُرَدُّ عَلَى الْأَوْصَافِ فِي بَابِ السَّلَمِ فَإِنَّ الدَّيْنَ وَصْفٌ فِي الذِّمَّةِ، وَالْبَدَلُ بِمُقَابَلَتِهَا فَإِذَا لَمْ يَذْكُرْ عِنْدَ الْعَقْدِ لَمْ يَجُزْ الْعَقْدُ لِانْعِدَامِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَبَيْعُ الْآبِقِ إنَّمَا لَا يَجُوزُ لِلْعَجْزِ عَنْ التَّسْلِيمِ لَا لِعَدَمِ الْمَالِيَّةِ وَلِهَذَا جَوَّزْنَا هِبَتَهُ مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ، وَبَيْعَهُ مِمَّنْ فِي يَدِهِ وَبَيْعُ الْجَنِينِ فِي الْبَطْنِ إنَّمَا لَا يَجُوزُ لِانْعِدَامِ الْمَالِيَّةِ فِيهِ مَقْصُودًا فَإِنَّهُ فِي الْبَطْنِ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ الْأُمِّ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ التَّزْوِيجَ مَقْصُودًا فَكَذَلِكَ الْبَيْعُ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ وَتَأْوِيلُ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ بَيْعُ مَا لَيْسَ فِي مِلْكِهِ بِدَلِيلِ قِصَّةِ الْحَدِيثِ فَإِنَّ «حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ الرَّجُلَ يَطْلُبُ مِنِّي سِلْعَةً لَيْسَتْ عِنْدِي فَأَبِيعُهَا مِنْهُ ثُمَّ أَدْخُلُ السُّوقَ فَأَسْتَحْدِثُهَا فَأَسْتَجِيدُهَا فَأَشْتَرِيهَا فَأُسْلِمُهَا إلَيْهِ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ» وَالنَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ يَنْصَرِفُ إلَى مَا لَا يَكُونُ مَعْلُومَ الْعَيْنِ إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ هُنَا فَصْلَانِ
أَحَدُهُمَا الْبَائِعُ إذَا لَمْ يَرَ الْمَبِيعَ قَطُّ بِأَنْ وَرِثَ شَيْئًا فَبَاعَهُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ عِنْدَنَا، وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَوَّلًا يَقُولُ: لَهُ الْخِيَارُ ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ: لَا خِيَارَ لَهُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَوْلًا وَاحِدًا، وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِهِ مَا رُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بَاعَ أَرْضًا لَهُ بِالْبَصْرَةِ مِنْ طَلْحَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَقِيلَ لِطَلْحَةَ: إنَّكَ قَدْ عَيَّنْتَ (فَقَالَ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute