للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَإِنَّ مَنْ أَحَبَّ امْرَأَةً إذَا سَأَلَ فَقَالَ: مَا الْحِيلَةُ لِي حَتَّى أَصِلَ إلَيْهَا؟ يُقَالُ لَهُ تَزَوَّجْهَا، وَإِذَا هَوِيَ جَارِيَةً فَقَالَ: مَا الْحِيلَةُ لِي حَتَّى أَصِلَ إلَيْهَا؟ يُقَالُ لَهُ: اشْتَرِهَا، وَإِذَا كَرِهَ صُحْبَةَ امْرَأَتِهِ فَقَالَ: مَا الْحِيلَةُ لِي فِي التَّخَلُّصِ مِنْهَا قِيلَ لَهُ طَلِّقْهَا.

وَبَعْدَ مَا طَلَّقَهَا إذَا نَدِمَ وَسَأَلَ الْحِيلَةَ فِي ذَلِكَ قِيلَ لَهُ رَاجِعْهَا؟ وَبَعْدَ مَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا إذَا تَابَتْ مِنْ سُوءِ خُلُقِهَا وَطَلَبَا حِيلَةَ قِيلَ لَهُمَا الْحِيلَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِزَوْجٍ آخَرَ، وَيَدْخُلَ بِهَا فَمَنْ كَرِهَ الْحِيَلَ فِي الْأَحْكَامِ، فَإِنَّمَا يَكْرَهُ فِي الْحَقِيقَةِ أَحْكَامَ الشَّرْعِ، وَإِنَّمَا يَقَعُ مِثْلُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مِنْ قِلَّةِ التَّأَمُّلِ.

فَالْحَاصِلُ: أَنَّ مَا يَتَخَلَّصُ بِهِ الرَّجُلُ مِنْ الْحَرَامِ أَوْ يَتَوَصَّلُ بِهِ إلَى الْحَلَالِ مِنْ الْحِيَلِ فَهُوَ حَسَنٌ، وَإِنَّمَا يُكْرَهُ ذَلِكَ أَنْ يَحْتَالَ فِي حَقٍّ لِرَجُلٍ حَتَّى يُبْطِلَهُ أَوْ فِي بَاطِلٍ حَتَّى يُمَوِّهَهُ أَوْ فِي حَقٍّ حَتَّى يُدْخِلَ فِيهِ شُبْهَةً فَمَا كَانَ عَلَى هَذَا السَّبِيلِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ، وَمَا كَانَ عَلَى السَّبِيلِ الَّذِي قُلْنَا أَوَّلًا فَلَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - قَالَ {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: ٢] فَفِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ مَعْنَى التَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَفِي النَّوْعِ الثَّانِي مَعْنَى التَّعَاوُنِ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ: بَدَأَ الْكِتَابُ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ - تَعَالَى - فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِلسَّائِلِ لَا أَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ حَتَّى أُخْبِرَكَ بِهَا فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا أَخْرَجَ إحْدَى رِجْلَيْهِ مِنْ الْمَسْجِدِ أَخْبَرَهُ بِالْآيَةِ قَبْلَ أَنْ يُخْرِجَ الرِّجْلَ الْأُخْرَى» فَأَهْلُ الْحَدِيثِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - يَرْوُونَ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ فَإِنَّهُمْ يَرْوُونَ «عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ إذْ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَدَعَاهُ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ جَاءَ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَا مَنَعَك أَنْ تُجِيبَنِي إذْ دَعَوْتُك أَمَا تَدْرِي قَوْلَ اللَّهِ - تَعَالَى - {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إذَا دَعَاكُمْ} [الأنفال: ٢٤] قَالَ: كُنْت فِي الصَّلَاةِ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَيْك السَّلَامُ، فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَلَا أُنَبِّئُك بِسُورَةٍ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ لَيْسَ فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ وَلَا فِي الزَّبُورِ مِثْلُهَا فَقُلْتُ نَعَمْ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا أَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ حَتَّى أُخْبِرَك بِهَا ثُمَّ شَغَلَهُ وَفْدٌ عَنِّي فَلَمَّا قَامَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيَخْرُجَ جَعَلْت أَمْشِي مَعَهُ، وَأَقُولُ فِي نَفْسِي: لَعَلَّهُ نَسِيَ يَمِينَهُ فَلَمَّا أَخْرَجَ إحْدَى رِجْلَيْهِ فَقُلْت: السُّورَةُ الَّتِي وَعَدْتَنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَاذَا تَقْرَأُ فِي صَلَاتِك قُلْت: أُمَّ الْقُرْآنِ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَعَمْ إنَّهَا هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيت لَيْسَ فِي التَّوْرَاةِ وَلَا فِي الْإِنْجِيلِ وَلَا فِي الزَّبُورِ مِثْلُهَا».

وَفَائِدَةُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَخْبَرَهُ بَعْدَ إخْرَاجِ إحْدَى الرِّجْلَيْنِ لِلتَّحَرُّزِ عَنْ خُلْفِ الْوَعْدِ فَإِنَّ الْوَعْدَ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ -

<<  <  ج: ص:  >  >>