فُلَانٍ كَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا فَذَلِكَ جَائِزٌ عَلَيْهِ إذَا كَتَبَ مَا يَكْتُبُ النَّاسُ فِي الرَّسَائِلِ، وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ هَذَا؛ لِأَنَّ الْكِتَابَ مُحْتَمِلٌ قَدْ يَكُونُ لِتَجْرِبَةِ الْخَطِّ وَالْقِرْطَاسِ، وَقَدْ يَكُونُ لِيُعَلَّمَ كَتْبَ الرِّسَالَةِ وَالْمُحْتَمِلُ لَا يَكُونُ حَجَّةً، وَلَكِنَّهُ اُسْتُحْسِنَ لِلْعَادَةِ الظَّاهِرَةِ بَيْنَ النَّاسِ أَنَّهُمْ إنَّمَا يَكْتُبُونَ كِتَابَ الرَّسَائِلِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لِإِظْهَارِ الْحَقِّ وَإِعْلَامِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْوَاجِبِ، فَإِذَا تَرَجَّحَ هَذَا الْجَانِبُ بِدَلِيلِ الْعُرْفِ حُمِلَ الْكِتَابُ عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ لَفْظٍ مُحْتَمِلٍ يَتَرَجَّحُ فِيهِ مَعْنًى بِدَلِيلِ الْعُرْفِ، وَإِنْ جَحَدَ وَشَهِدَتْ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ كَتَبَهُ أَوْ أَمْلَاهُ جَازَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ. وَكَذَلِكَ هَذَا فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَسَائِرِ الْحُقُوقِ مَا خَلَا الْقِصَاصَ وَالْحَدَّ فَإِنِّي آخُذُ فِيهَا بِالْقِيَاسِ؛ لِأَنَّهُ عُقُوبَاتٌ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ فَاحْتِمَالُ جِهَاتٍ أُخْرَى سِوَى مَا تَرَجَّحَ بِدَلِيلِ الْعُرْفِ يَصِيرُ شُبْهَةً فِي ذَلِكَ، وَهُوَ نَظِيرُ الِاسْتِحْسَانِ فِي صِحَّةِ إقْرَارِ الْوَكِيلِ عَلَى مُوَكِّلِهِ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي أَنَّهُ لَا يُجْعَلُ حُجَّةً فِي الْقِصَاصِ وَالْحُدُودِ أَخْذًا بِالْقِيَاسِ لِبَقَاءِ شُبْهَةِ عَدَمِ الْخُصُومَةِ حَقِيقَةً فِي الْإِقْرَارِ، وَلَكِنَّهُ يَضْمَنُ السَّرِقَةَ بِهَذَا الْكِتَابِ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ يَثْبُتُ مَعَ الشُّبُهَاتِ.
وَإِنْ كَتَبَ فِي الْأَرْضِ أَوْ فِي صَحِيفَةٍ أَوْ خِرْقَةٍ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَا عُرْفَ فِي إظْهَارِ الْحَقِّ الْوَاجِبِ بِهَذَا الطَّرِيقِ فَيَبْقَى مُحْتَمِلًا فِي نَفْسِهِ وَالْمُحْتَمِلُ لَا يَكُونُ حُجَّةً بِخِلَافِ الْمَكْتُوبِ عَلَى رَسْمِ كَتْبِ الرَّسَائِلِ لِلْعُرْفِ الظَّاهِرِ فِيهِ بَيْنَ النَّاسِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا أُجِيزُ كِتَابَ الْقَاضِي حَتَّى يَشْهَدَ الشُّهُودُ عَلَى مَا فِي جَوْفِهِ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ مَا فِي الْكِتَابِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا لِلشُّهُودِ وَأَنْ يَشْهَدُوا عَلَيْهِ، فَإِذَا كَتَبَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، وَقَالَ اشْهَدُوا عَلَيْهِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَعْلُومًا لَهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرُوا الْكِتَابَ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُمْ حَتَّى يَقْرَأَ عَلَيْهِمْ، فَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا أَشْهَدَهُمْ عَلَى الْكِتَابِ وَالْخَاتَمِ وَشَهِدُوا عَلَى ذَلِكَ أُجِيزُهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمُوا مَا فِيهِ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ كِتَابَ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي قَدْ يَشْتَمِلُ عَلَى شَيْءٍ لَا يُرِيدُ أَنْ يَقِفَ عَلَيْهِ غَيْرُهُمْ فَفِي تَكْلِيفِ إعْلَامِهِمْ مَا فِي الْكِتَابِ نَوْعُ حَرَجٍ وَبِالْخَتْمِ يَقَعُ الْأَمْنُ مِنْ التَّغْيِيرِ وَالتَّبْدِيلِ فَلِهَذَا اسْتَحْسَنَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - قَبُولَ ذَلِكَ غَيْرَ أَنَّهُمَا قَالَا كِتَابُ الْخُصُومَةِ لَا يَشْتَمِلُ عَلَى التَّبْدِيلِ لِذَلِكَ كِتَابٌ آخَرُ فَلَا بُدَّ مِنْ إعْلَامِ الشُّهُودِ مَا فِي الْكِتَابِ.
وَلَوْ قَرَأَ رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ صَكَّا، فَقَالَ أَشْهَدُ عَلَيْكَ بِمَا فِي هَذَا الْكِتَابِ، فَقَالَ نَعَمْ فَسَمِعَ ذَلِكَ آخَرُ وَسِعَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى كَلَامِهِ اشْهَدْ عَلَى جَمِيعِ مَا قُرِئَ، وَذَلِكَ مَعْلُومٌ لِلسَّامِعِ وَالْقَارِئِ جَمِيعًا وَهَذَا مِنْ الْمُجِيبِ إقْرَارٌ تَامٌّ فَلِمَنْ سَمِعَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ أَشْهَدَهُ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يُشْهِدْهُ قَالَ الشَّعْبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute