للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَشْهَدَ الرَّجُلُ قَوْمًا عَلَى شَهَادَةٍ فَسَمِعَ ذَلِكَ آخَرُونَ فَشَهِدُوا فَهِيَ شَهَادَةٌ جَائِزَةٌ.

وَإِذَا كَتَبَ الرَّجُلُ ذِكْرَ حَقٍّ لِفُلَانٍ عَلَيْهِ بِكَذَا، وَعِنْدَهُمْ قَوْمٌ حُضُورٌ، ثُمَّ قَالَ اخْتِمُوا عَلَيْهِ فَلَيْسَتْ هَذِهِ بِشَهَادَةٍ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ اخْتِمُوا مُحْتَمِلٌ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ لَا تَظْهَرُوهُ فَإِنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيَّ وَالْمُحْتَمَلُ لَا يَكُونُ حُجَّةً فَإِنَّ الشَّيْءَ يُخْتَمُ عَلَيْهِ لِيَكُونَ مَحْفُوظًا تَارَةً وَلِيَكُونَ مَكْتُومًا أُخْرَى. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالُوا أَنَشْهَدُ عَلَيْكَ، فَقَالَ اخْتِمُوهُ وَلَوْ قَالُوا نَخْتِمُ هَذَا الصَّكَّ، فَقَالَ اشْهَدُوا كَانَ جَائِزًا؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تَكُونُ إلَّا لِلِاسْتِئْمَانِ بِالْحَقِّ وَالْأَمْنِ مِنْ الْجُحُودِ فَيَصِيرُ بِهَذَا اللَّفْظُ مُقِرًّا بِوُجُوبِ الْحَقِّ عَلَيْهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ لَفْظَ الشَّهَادَةِ خَاصٌّ شَرْعًا لِإِظْهَارِ الْحُقُوقِ (أَلَا تَرَى) أَنَّ الشَّاهِدَ عِنْدَ الْقَاضِي لَوْ أَبْدَلَ هَذِهِ اللَّفْظَةَ بِلَفْظَةٍ أُخْرَى لَمْ يَقْبَلْ الْقَاضِي مِنْهُ شَهَادَتَهُ فَكَذَلِكَ الَّذِي يَشْهَدُ عَلَى الْكِتَابِ إذَا أَبْدَلَهُ بِلَفْظٍ آخَرَ هُوَ مُحْتَمِلٌ لَا يَكُونُ إظْهَارًا لِلْحَقِّ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ.

وَلَوْ كَتَبَ رِسَالَةً مِنْ فُلَانٍ إلَى فُلَانٍ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّكَ كَتَبْتَ إلَيَّ أَنِّي ضَمِنْتُ لَكَ عَنْ فُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَلَمْ أَضْمَنْ لَكَ أَلْفًا وَإِنَّمَا ضَمِنْتُ لَكَ عَنْهُ خَمْسَمِائَةٍ، وَعِنْدَهُ رَجُلَانِ شَهِدَا كِتَابَتَهُ، ثُمَّ مَجِيءُ كِتَابِهِ فَشَهِدَا بِذَلِكَ عَلَيْهِ لَزِمَهُ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ لَهُمَا اشْهَدَا وَلَا اخْتِمَا فَلِلِاسْتِحْسَانِ الَّذِي بَيَّنَّا مِنْ حَيْثُ الْعُرْفُ لَا تُكْتَبُ الرِّسَالَةُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ إلَّا لِلْإِعْلَامِ بِالْحَقِّ الْوَاجِبِ، ثُمَّ مَحْوُهُ الْكِتَابَةَ بِمَنْزِلَةِ الرُّجُوعِ عَنْ الْإِقْرَارِ فَفَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الصَّكِّ فَإِنَّ هُنَاكَ مَا لَمْ يَقُلْ اشْهَدُوا عَلَيَّ بِهَذَا لَا يَكُونُ مُلْزِمًا إيَّاهُ وَهَذَا فَرْقٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الْعُرْفِ أَيْضًا فَإِنَّ الصُّكُوكَ تَوْثِيقُ بِالْإِشْهَادِ عَلَيْهَا عَادَةً وَلَا يَتِمُّ إلَّا بِهَا وَكُتُبِ الرَّسَائِلِ تَخْلُو عَنْ الْإِشْهَادِ عَلَيْهَا عَادَةً فَلِهَذَا كَانَ مُجَرَّدُ الْكِتَابَةِ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ مُلْزِمًا إيَّاهُ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ اشْهَدُوا. وَكَذَلِكَ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ وَكُلُّ حَقٍّ يَثْبُتُ مَعَ الشُّبُهَاتِ.

وَلَوْ كَتَبَ هَذِهِ الرِّسَالَةَ قُدَّامَ رَجُلَيْنِ أُمِّيَّيْنِ لَا يَقْرَآنِ وَلَا يَكْتُبَانِ فَأَمْسَكَ الْكِتَابَ عِنْدَهُمَا وَشَهِدُوا بِهِ عَلَيْهِ فَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَمَّا لَوْ أَقْرَأَ الْكِتَابَ عِنْدَهُمَا وَشَهِدَا بِهِ عَلَيْهِ فَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَقْرَأَ الْكِتَابَ عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّهُ كَتَبَهُ إلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُفَسِّرَ الْقَاضِي مَا فِيهِ وَهَذَا كُلُّهُ بِنَاءً عَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ عِلْمَ الشُّهُودِ بِمَا فِي الْكِتَابِ لَيْسَ بِشَرْطٍ. وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَلَا يَجُوزُ حَتَّى يَعْلَمَا مَا فِي الْكِتَابِ أَوْ يَقْرَآنِهِ عِنْدَ الْقَاضِي مُفَسَّرًا وَأَصْلُهُ فِيمَا ذُكِرَ كِتَابُ أَدَبِ الْقَاضِي أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا وَجَدَ فِي خَرِيطَتِهِ سِجِلًّا فِيهِ حُكْمُهُ وَخَتْمُهُ، وَلَمْ يَتَذَكَّرْ الْحَادِثَةَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ بِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَهُ ذَلِكَ فَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُفَرِّقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ تِلْكَ فَيَقُولُ أَصْلُ الْحَادِثَةِ هُنَاكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>