للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَانَ مَعْلُومًا عِنْدَهُ، ثُمَّ نَسِيَهُ، وَقَدْ أَمِنَ مِنْ التَّبْدِيلِ فِيهِ لِكَوْنِهِ تَحْتَ خَاتِمِهِ وَهُنَا أَصْلُ الْحَادِثَةِ لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا لِلشَّاهِدِ، وَهُوَ أُمِّيٌّ لَا يَعْرِفُ الْكَاتِبَ، وَلَمْ يَسْمَعْ الْكَاتِبَ يُخْبِرْ فَلَمْ يُسْنَدْ عِلْمُ الشَّهَادَةِ بِهِ أَصْلًا.

وَلَوْ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ صَكَّا قُدَّامَ أُمِّيَّيْنِ، ثُمَّ قَالَ اشْهَدَا عَلَيْهِ وَهُمَا لَا يَعْلَمَانِ مَا فِيهِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ الْإِشْهَادَ عَلَى مَا لَيْسَ بِمَعْلُومٍ لِلشَّاهِدِ بَاطِلٌ فَذِكْرُهُ كَعَدَمِهِ وَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُفَرِّقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْأَوَّلِ فَيَقُولُ الْإِشْهَادُ عَلَى كِتَابِ الرِّسَالَةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَعِلْمُ الشَّاهِدِ بِمَا فِيهِ لَا يَكُونُ شَرْطًا أَيْضًا وَالْإِشْهَادُ عَلَى الصَّكِّ شَرْطٌ لِجَوَازِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ فَعِلْمُ الشَّاهِدِ بِمَا فِيهِ يَكُونُ شَرْطًا أَيْضًا.

وَلَوْ كَتَبَ رِسَالَةً فِي تُرَابٍ لَمْ يَجُزْ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ انْعِدَامِ الْفَرْقِ الْمُرَجِّحِ فِي هَذَا إلَّا أَنْ يَقُولَ اشْهَدَا عَلَيَّ بِهَذَا فَحِينَئِذٍ هُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ بِالْكِتَابَةِ فِي التُّرَابِ صَارَ مَعْلُومًا لَهُمْ، فَإِذَا أَشْهَدَهُمْ عَلَى مَعْلُومٍ صَارَ كَأَنَّهُ ذَكَرَ ذَلِكَ بِلِسَانِهِ بَيْنَ أَيْدِيهمْ. وَكَذَلِكَ إنْ كَتَبَهُ فِي خِرْقَةٍ أَوْ صَحِيفَةٍ أَوْ لَوْحٍ بِمِدَادٍ أَوْ بِغَيْرِ مِدَادٍ إلَّا أَنَّهُ لَا يَسْتَبِينُ فِيهِ الْخَطَّ، ثُمَّ قَالَ اشْهَدَا عَلَيَّ بِذَلِكَ أَوْ أَقَرَّ عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّهُ كَانَ كَتَبَ لَمْ يَلْزَمْهُ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ الَّتِي لَا يَسْتَبِينُ فِيهَا الْخَطُّ كَالصَّوْتِ الَّذِي لَا يَسْتَبِينُ فِيهِ الْحُرُوفُ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إقْرَارًا بِشَيْءٍ فَكَذَلِكَ هُنَا، وَهَذَا لِأَنَّ الْإِشْهَادَ إنَّمَا يَصِحُّ عَلَى مَا يَكُونُ مَعْلُومًا لِلشُّهُودِ وَالْكِتَابَةُ الَّتِي يَسْتَبِينُ فِيهَا الْخَطُّ لَا تُوجِبُ إعْلَامَ شَيْءٍ لَهُمْ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْكِتَابِ الْحِفْظُ عَنْ النِّسْيَانِ وَشَيْءٌ مِنْ هَذَا الْمَقْصُودِ لَا يَحْصُلُ بِالْكِتَابَةِ الَّتِي لَا يَسْتَبِينُ فِيهَا الْخَطُّ فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ.

وَلَوْ كَتَبَ فِي صَحِيفَةِ حِسَابِهِ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَشَهِدَ شَاهِدَانِ حَضَرَا ذَلِكَ أَوْ أَقَرَّ هُوَ عِنْدَ الْحَاكِمِ بِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا أَنْ يَقُولَ اشْهَدُوا عَلَيَّ بِهِ؛ لِأَنَّ مَا يُكْتَبُ فِي صَحِيفَةِ الْحِسَابِ مُحْتَمِلٌ، وَقَدْ بَيَّنَّا اخْتِيَارَ أَئِمَّةِ بَلْخِي - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فِيهِ فِيمَا سَبَقَ.

وَلَوْ كَتَبَ أَنَّ لِي عَلَى فُلَانٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ فِي صَكٍّ بِخَطِّهِ قُدَّامَ شَاهِدَيْنِ وَبِمَحْضَرٍ مِمَّنْ عَلَيْهِ الْمَالُ، وَهُوَ كَانَ يَعْرِفُ مَا يَكْتُبُ، ثُمَّ قَالَ لِلشَّاهِدَيْنِ اشْهَدَا، فَقَالَ فُلَانٌ الْمَكْتُوبُ عَلَيْهِ نَعَمْ فَهُوَ جَائِزٌ وَهُمَا فِي سَعَةٍ بِأَنْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ أَقَرَّ وَأَشْهَدَهُمَا عَلَى نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ كِتَابَةَ صَاحِبِ الْحَقِّ صَارَ مَعْلُومًا كَمَا يَصِيرُ مَعْلُومًا كِتَابَةُ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ وَتَمَامُ الصَّكِّ بِالْإِشْهَادِ، وَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ بِقَوْلِ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ نَعَمْ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ نَعَمْ فَاشْهَدُوا عَلَى ذَلِكَ.

(أَلَا تَرَى) أَنَّ فِي الْإِقْرَارِ بِاللِّسَانِ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ صَاحِبُ الْحَقِّ فَيَقُولُ أَلَيْسَ لِي عَلَيْك كَذَا فَيَقُولُ مَنْ عَلَيْهِ بَلَى وَبَيْنَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ فَكَذَلِكَ فِي الْكِتَابِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>