مِنْ الْبَلَايَا لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ يَمِينُهُ مَا لَمْ يَعْرِضْ ذَلِكَ الشَّيْءُ، وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةُ الِاسْتِطَاعَةِ، فَهُوَ عَلَى أَمْرٍ يَعْرِضُ لَهُ فَلَا يَكُونُ عَلَى الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ مَا لَمْ يَنْوِهِ؛ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْكَلَامَ الْمُطْلَقَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا هُوَ الظَّاهِرُ وَالْمُتَعَارَفُ، وَلَوْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا رَجُلًا آخَرَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى يَعْنِي بِالِاسْتِثْنَاءِ الْيَمِينَيْنِ جَمِيعًا، كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ عَلَيْهِمَا لِكَوْنِهِ إحْدَى الْيَمِينَيْنِ مَعْطُوفَةً عَلَى الْأُخْرَى، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ لَمْ يَذْكُرْ حَرْفَ الْعَطْفِ، وَلَكِنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُ فُلَانًا وَهَذَا صَحِيحٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ مُوجِبَ هَذِهِ الْيَمِينِ الْكَفَّارَةُ، وَذَلِكَ أَمْرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ، فَإِذَا لَمْ يَسْكُتْ بَيْنَ الْيَمِينَيْنِ كَانَ الْمَنْوِيُّ مِنْ مُحْتَمَلَاتِ لَفْظِهِ، أَوْ يَجْعَلُ الْوَاوَ فِي الْكَلَامِ الثَّانِي لِلْعَطْفِ دُونَ الْقَسَمِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: وَاَللَّهِ وَاَللَّهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: عَلَيَّ حَجَّةٌ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا، وَعَلَيَّ عُمْرَةٌ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَكَلَّمَهُ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ الثَّانِيَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْأَوَّلِ، فَأَمَّا إذَا قَالَ: عَبْدِي حُرٌّ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا، عَبْدِي الْآخَرُ حُرٌّ إنْ كَلَّمْت فُلَانًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ كَلَّمَهُ عَبْدُهُ الْأَوَّلُ حُرٌّ فِي الْقَضَاءِ، وَيَدِينُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ حَرْفَ الْعَطْفِ، فَانْعِدَامُ الِاتِّصَالِ بَيْنَهُمَا حُكْمًا، وَوُجِدَ الِاتِّصَالُ صُورَةً حِينَ لَمْ يَسْكُتْ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ نَوَى صَرْفَ الِاسْتِثْنَاءِ إلَيْهِمَا كَانَ مَدِينًا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِلِاحْتِمَالِ وَلَا يَدِينُ فِي الْحُكْمِ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، فَإِنَّ الْكَلَامَ الثَّانِيَ غَيْرُ مَعْطُوفٍ عَلَى الْأَوَّلِ فَيَصِيرُ فَاصِلًا بَيْنَ الِاسْتِثْنَاءِ وَالْكَلَامِ الْأَوَّلِ.
وَإِنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِكِ فَعَبْدِي حُرٌّ فَهَذِهِ يَمِينٌ بِالْعِتْقِ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ تُعْرَفُ بِالْجَزَاءِ، وَالْجَزَاءُ عِتْقُ الْعَبْدِ؛ لِأَنَّ الْجَزَاءَ مَا يَتَعَقَّبُ حَرْفَ الْجَزَاءِ وَهُوَ الْفَاءُ، وَالشَّرْطُ أَنْ يَحْلِفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ، فَإِذَا قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ لِعَبْدِهِ: إنْ حَلَفْت بِعِتْقِك فَامْرَأَتُهُ طَالِقٌ فَإِنَّ عَبْدَهُ يُعْتَقُ؛ لِأَنَّ بِالْكَلَامِ الثَّانِي حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ، يَذْكُرُ الشَّرْطَ، وَالْجَزَاءُ طَلَاقُهَا فَوُجِدَ بِهِ الشَّرْطُ فِي الْيَمِينِ الْأَوَّلِ، فَلِهَذَا يُعْتَقُ عَبْدُهُ، وَلَا تَطْلُقُ امْرَأَتُهُ؛ لِأَنَّ الْحَلِفَ بِعِتْقِ الْعَبْدِ كَانَ سَابِقًا عَلَى الْحَلِفِ بِطَلَاقِهَا، وَمَا يَكُونُ سَابِقًا عَلَى الْيَمِينِ لَا يَكُونُ شَرْطًا؛ لِأَنَّ الْحَالِفَ إنَّمَا يَقْصِدُ مَنْعَ نَفْسِهِ عَنْ إيجَادِ الشَّرْطِ، وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ فِيمَا كَانَ سَابِقًا عَلَى يَمِينِهِ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ: إنْ حَلَفْت بِطَلَاقِك فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلُقَتْ اثْنَتَيْنِ إنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا؛ لِأَنَّهُ بِالْيَمِينِ الثَّانِيَةِ يَحْنَثُ فِي الْيَمِينِ الْأُولَى فَتَطْلُقُ وَاحِدَةً، ثُمَّ بِالْيَمِينِ الثَّالِثَةِ يَحْنَثُ فِي الْيَمِينِ الثَّانِيَةِ فَتَطْلُقُ أُخْرَى؛ لِأَنَّهَا فِي عِدَّتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا لَا تَطْلُقُ إلَّا وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهَا بَانَتْ بِالْأُولَى لَا إلَى عِدَّةٍ؛ وَلِأَنَّ شَرْطَ الْحِنْثِ فِي الْيَمِينِ الثَّانِيَةِ لَا يُوجَدُ بِالْيَمِينِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute