للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَقُولُ: اسْتِدْلَالُنَا بِزَعَامَةِ الْمُنَادِي بِقَوْلِهِ {وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: ٧٢] وَلَا حَاجَةَ هُنَا إلَى مَعْرِفَةِ طَرِيقِ وُجُوبِ ذَلِكَ الْمَالِ فَإِنَّ الْعِمَالَةَ تَجِبُ عَلَى مَنْ وَقَعَ لَهُ الْعَمَلُ.

فَأَمَّا الْوُجُوبُ عَلَى الْكَفِيلِ فَبِسَبَبِ الْكَفَالَةِ إلَّا أَنَّهُ يَقُولُ: لَمْ يَكُنْ هَذَا كَفَالَةً عَلَى الْحَقِيقَةِ فَإِنَّ الْمَكْفُولَ لَهُ مَجْهُولٌ، وَجَهَالَةُ الْمَكْفُولِ لَهُ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْكَفَالَةِ، وَالْكَلَامُ فِيهِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى إذْ الْتِزَامُ الْمَالِ بِالْكَفَالَةِ نَظِيرُ الْتِزَامِ الْمَالِ بِالْإِقْرَارِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ الْتِزَامٌ لَا يُقَابِلُهُ إلْزَامٌ عَلَى مَنْ يَلْتَزِمُ لَهُ وَجَهَالَةُ الْمُقِرِّ بِهِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ، فَكَذَلِكَ فِيمَا الْتَزَمَهُ بِالْكَفَالَةِ وَجَوَازُ الْكَفَالَةِ فِي الْأَصْلِ لِحَاجَةِ النَّاسِ وَالْحَاجَةُ مَاسَّةٌ إلَى إضَافَةِ الْكَفَالَةِ إلَى سَبَبِ وُجُوبِ الْمَالِ؛ وَلِهَذَا جَوَّزَ الْعُلَمَاءُ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - الْكَفَالَةَ بِالدَّرَكِ وَهُوَ مُضَافٌ إلَى سَبَبِ الْوُجُوبِ بِالِاسْتِحْقَاقِ فَبِهِ يَتَبَيَّنُ أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْجَهَالَةِ - لِكَوْنِهَا لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ - لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْكَفَالَةِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَمْنَعَ صِحَّتَهَا لِمَعْنَى الْخَطَرِ فَإِنَّهُ مَوْجُودٌ فِي كُلِّ كَفَالَةٍ؛ إذْ لَا يَدْرِي أَنَّ الطَّالِبَ يُطَالِبُ الْكَفِيلَ أَوْ الْأَصِيلَ، فَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَوْتَيْنِ فَهُوَ أَنَّ مَوْتَ الْمَطْلُوبِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِتَوَجُّهِ الْمُطَالَبَةِ بِالْمَالِ عَلَيْهِ بِأَنْ يَكُونَ وَارِثَهُ؛ فَلِهَذَا تَصِحُّ إضَافَةُ الْكَفَالَةِ إلَيْهِ، وَكَذَلِكَ التَّعْلِيقُ بِكَلَامِ زَيْدٍ وَدُخُولِ الدَّارِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِوُجُوبِ الْمَالِ بِحَالٍ، فَتَمَحَّضَ ذَلِكَ تَعْلِيقًا بِالشَّرْطِ وَلَا يَكُونُ الْتِزَامًا. فَأَمَّا هَاهُنَا فَإِنَّهُ أَضَافَ الِالْتِزَامَ إلَى مَا هُوَ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الْمَالِ وَهُوَ الْمُبَايَعَةُ وَالذَّوْبُ فَيَكُونُ الْتِزَامًا صَحِيحًا فَإِنْ وَافَى بِهِ وَدَفَعَهُ إلَيْهِ فَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ ذَلِكَ؛ لِوُجُودِ الْمُوَافَاةِ بِهِ كَمَا الْتَزَمَهُ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلِلطَّالِبِ أَنْ يَأْخُذَهُ بِالْكَفَالَةِ، وَيُخَاصِمَهُ فِي دَعْوَاهُ قِبَلَ الْمَكْفُولِ بِهِ وَالْكَفِيلُ ضَامِنٌ لَهُ لِتَحَقُّقِ الذَّوْبِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي، وَقَدْ كَانَ مُلْتَزِمًا لِمَا يَذُوبُ لَهُ عَلَيْهِ. وَالذَّوْبُ عِبَارَةٌ عَنْ تَحَقُّقِ الْوُجُوبِ.

وَإِنْ قَالَ إنْ لَمْ أُوَافِك بِهِ غَدًا فَأَنَا وَكِيلٌ فِي خُصُومَتِهِ ضَامِنٌ لِمَا ذَابَ عَلَيْهِ فَرَضِيَ بِذَلِكَ الْمَطْلُوبُ؛ فَهُوَ جَائِزٌ وَإِنَّمَا شَرَطَ رِضَاهُ فِي الْوَكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ دُونَ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ بِالْخُصُومَةِ نَائِبٌ عَنْهُ وَرُبَّمَا يَتَضَرَّرُ هُوَ بِهِ فَلَا يَنْفَرِدُ بِهِ الْوَكِيلُ بِدُونِ رِضَا الْمُوَكِّلِ، فَأَمَّا الْكَفَالَةُ: فَالْتِزَامٌ لِلطَّالِبِ وَلَا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْمَكْفُولُ عَنْهُ فَلَا يُعْتَبَرُ رِضَاهُ بِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: مَتَى دَعَوْتنِي بِهِ فَلَمْ أُوَافِك بِهِ؛ فَأَنَا وَكِيلٌ فِي خُصُومَتِهِ ضَامِنٌ مَا ذَابَ لَك عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ مَتَى لِلْوَقْتِ فَمَعْنَاهُ: إنْ لَمْ أُوَافِك بِهِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي تَطْلُبُ مِنِّي وَهَذَا الْوَقْتُ وَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا وَلَكِنْ لَا تُمْكِنُ بِسَبَبِ جَهَالَتِهِ مُنَازَعَةٌ.

وَلَوْ كَفَلَ بِهِ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ غَدًا فَفُلَانٌ - يَعْنِي: رَجُلًا آخَرَ - وَكِيلٌ فِي خُصُومَتِهِ فَمَا قُضِيَ بِهِ عَلَيْهِ فَأَنَا ضَامِنٌ لَهُ فَرَضِيَ بِذَلِكَ الْمَطْلُوبِ؛ فَهُوَ جَائِزٌ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْوَكِيلُ وَالضَّامِنُ لِلْمَالِ هُوَ الْكَفِيلُ بِالنَّفْسِ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ غَيْرَهُ إذَا وُجِدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>