للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْهُ الْقَبُولُ لِذَلِكَ. وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ إضَافَتُهُ لِذَلِكَ كُلِّهِ إلَى نَفْسِهِ؛ كَانَ صَحِيحًا فَكَذَلِكَ إذَا أَضَافَ كُلَّ عَقْدٍ مِنْ هَذَا إلَى شَخْصٍ مَعْلُومٍ وَقَبِلُوا ذَلِكَ وَرَضِيَ بِهِ الْمَطْلُوبُ كَانَ صَحِيحًا وَلَوْ قَدَّمَ الْوَكَالَةَ فَقَالَ: هُوَ وَكِيلِي فِي خُصُومَةٍ مَا بَيْنِي وَبَيْنِك، ضَامِنٌ لِمَا ذَابَ لَك عَلَيَّ أَوْ لِمَا قُضِيَ لَك بِهِ عَلَيَّ، أَوْ لِمَا لَزِمَنِي لَك، أَوْ بِمَا لَحِقَنِي فَإِنْ وَافَانِي بِهِ غَدًا حَتَّى أَدْفَعَهُ إلَيْك فَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ ذَلِكَ فَهَذَا جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ أَخَّرَ الْتِزَامَ الْمَالِ بِالْكَفَالَةِ كَانَ مَحْمُولًا عَلَى مَعْنَى التَّقْدِيمِ فَإِذَا قَدَّمَهُ فَأَوْلَى أَنْ يَصِحَّ وَهَذِهِ كُلُّهَا وَثَائِقُ لِحَقٍّ وَاحِدٍ فَلَا فَرْقَ فِي صِحَّتِهَا بَيْنَ تَقْدِيمِ التَّعْيِينِ وَتَأْخِيرِ التَّعْيِينِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ لَا يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ

وَلَوْ كَفَلَ بِنَفْسِهِ إلَى أَجَلٍ فَإِنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ فِيهِ؛ فَهُوَ وَكِيلٌ فِي الْخُصُومَةِ الَّتِي بَيْنَهُمَا، ضَامِنٌ لِمَا ذَابَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَشْهَدْ الْمَطْلُوبُ عَلَى ذَلِكَ؛ فَالْكَفَالَةُ بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ جَائِزَةٌ وَالْوَكَالَةُ وَالْكَفَالَةُ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهُ أَنَابَهُ وَلَا يَقْدِرُ الْإِنْسَانُ عَلَى أَنْ يَجْعَلَ نَفْسَهُ نَائِبًا عَنْ غَيْرِهِ فِي خُصُومَتِهِ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ فَإِذَا لَمْ يَرْضَ الْمَطْلُوبُ بِوَكَالَتِهِ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ، وَلَا تَبْطُلُ بِبُطْلَانِهَا الْكَفَالَةُ بِالْمَالِ وَالنَّفْسِ؛ لِأَنَّ جَوَازَهُمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِصِحَّةِ الْوَكَالَةِ فَإِنَّهُمَا صَحِيحَانِ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْوَكَالَةَ أَصْلًا

وَلَوْ كَفَلَ بِنَفْسِهِ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يُوَافِ بِهِ غَدًا فَهُوَ وَكِيلٌ فِي خُصُومَتِهِ فَرَضِيَ بِهِ الْمَطْلُوبُ فَلَمْ يُوَافِ بِهِ الْغَدَ فَهُوَ وَكِيلٌ بِالْخُصُومَةِ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ إطْلَاقٌ تَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِخَطَرِ عَدَمِ الْمُوَافَاةِ فَإِنْ قُضِيَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ لَمْ يَلْزَمْ الْكَفِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ مَا الْتَزَمَ شَيْئًا مِنْ الْمَالِ. وَبِالْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ لَا يَصِيرُ مُلْتَزِمًا لِلْمَالِ وَلَكِنَّ الطَّالِبَ يَأْخُذُ الْكَفِيلَ بِالْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ حَتَّى يَدْفَعَهُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ تَسْلِيمَ النَّفْسِ إلَيْهِ فَلَا يَبْرَأُ بِثُبُوتِ الْمَالِ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُسَلِّمْهُ فَإِنَّ ثُبُوتَ الْمَالِ عَلَيْهِ لَا يُغْنِيه عَنْ نَفْسِهِ بَلْ يَحُوجُهُ إلَى ذَلِكَ لِيَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ مِنْهُ فَكَانَ الْكَفِيلُ مُطَالَبًا بِهِ فَإِنْ قَضَى الْكَفِيلُ الطَّالِبَ حَقَّهُ كَانَ مُتَبَرِّعًا بِذَلِكَ كَسَائِرِ الْأَجَانِبِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُلْتَزِمٍ لِلْمَالِ وَبِأَدَائِهِ لَا يَسْتَفِيدُ الْبَرَاءَةَ مِنْ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الطَّالِبِ وَالْمَطْلُوبِ خُصُومَةٌ أُخْرَى فَلِهَذَا كَانَ مُتَبَرِّعًا فِي أَدَاءِ الْمَالِ. إنْ شَاءَ الطَّالِبُ قَبِلَ ذَلِكَ مِنْهُ، وَإِنْ شَاءَ أَبَى وَطَالَبَهُ بِتَسْلِيمِ النَّفْسِ إلَيْهِ كَمَا الْتَزَمَهُ وَإِنْ كَانَ كَفِيلًا بِالْمَالِ أَجْبَرْتُ الطَّالِبَ عَلَى قَبْضِهِ مِنْهُ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ إذَا وَضَعَ الْمَالَ بَيْنَ يَدَيْهِ يَصِيرُ الطَّالِبُ قَابِضًا لَهُ؛ لِأَنَّهُ يُبْرِئُ ذِمَّتَهُ بِالْأَدَاءِ وَلِمَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ ذَلِكَ وَالْأَوَّلُ مُتَبَرِّعٌ لَا تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ عَنْ شَيْءٍ بِمَا يُؤَدِّيه وَلَوْ قَضَاهُ الْكَفِيلُ الْمَالَ عَلَى أَنْ يُبْرِئَهُ مِنْ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ؛ كَانَ جَائِزًا؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ فِي قَضَاءِ الْمَالِ، وَقَدْ قَبِلَهُ الطَّالِبُ ثُمَّ أَبْرَأَهُ الطَّالِبُ عَنْ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ وَذَلِكَ حَقُّهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَضَاهُ بَعْضَهُ عَلَى أَنْ يُبْرِئَهُ عَنْ الْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ.

وَهَذَا لِأَنَّ الطَّالِبَ لَيْسَ يَمْلِكُ مَا يَقْبِضُهُ مِنْهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>