للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ): وَإِذَا عَلَّقَ الْقَذْفَ بِشَرْطٍ لَمْ يَجِبْ حَدٌّ، وَلَا لِعَانٌ؛ لِأَنَّ الْقَذْفَ مِمَّا لَا يُحْلَفُ بِهِ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِالشَّرْطِ؛ وَلِأَنَّ التَّعَلُّقَ بِالشَّرْطِ يَمْنَعُ تَحَقُّقَ نِسْبَتِهَا إلَى الزِّنَا فِي الْحَالِ؛ وَلِأَنَّ مَنْ لَا تَكُونُ زَانِيَةً قَبْلَ دُخُولِ الدَّارِ لَا تَكُونُ زَانِيَةً بِدُخُولِ الدَّارِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: إذَا تَزَوَّجْتُك، فَأَنْتِ زَانِيَةٌ أَوْ أَنْتِ زَانِيَةٌ إنْ شَاءَ فُلَانٌ فَهُوَ بَاطِلٌ لِمَا قُلْنَا.

(قَالَ): وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ قَدْ زَنَيْتِ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَكِ أَوْ رَأَيْتُك تَزْنِينَ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَكِ، فَهُوَ قَاذِفٌ الْيَوْمَ وَعَلَيْهِ اللِّعَانُ، لِأَنَّ الْقَذْفَ نِسْبَتُهَا إلَى الزِّنَا، وَقَدْ تَحَقَّقَ ذَلِكَ فِي الْحَالِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ قَذَفْتُك بِالزِّنَا قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَكَ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ بِإِقْرَارِهِ قَذْفٌ قَبْلَ التَّزَوُّجِ فَهُوَ كَمَا لَوْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لَهَا زَنَيْتِ، وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ، فَإِنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَلَا لِعَانَ فَإِنَّ فِعْلَ الصَّغِيرَةِ لَا يَكُونُ زِنًا شَرْعًا فَقَدْ نَسَبَهَا إلَى مَا لَا يَتَحَقَّقُ شَرْعًا فَيَكُونُ هَذَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ نَسَبَهَا إلَى مَا لَا يَتَحَقَّقُ أَصْلًا بِأَنْ قَالَ: زَنَيْتِ قَبْلَ أَنْ تُخْلَقِي فَأَمَّا مَا قَبْلَ التَّزَوُّجِ يَتَحَقَّقُ مِنْهَا فِعْلُ الزِّنَا شَرْعًا؛ وَلِأَنَّ الصَّغِيرَةَ لَا يَلْحَقُهَا الْعَارُ وَلَا الْإِثْمُ شَرْعًا، وَالْقَذْفُ بِالزِّنَا يَتَعَيَّرُ بِهِ الْمَقْذُوفُ، وَقَدْ يَكُونُ فِيهِ آثِمًا شَرْعًا، وَإِنْ قَالَ لَهَا فَرْجُك زَانٍ أَوْ جَسَدُك زَانٍ أَوْ بَدَنُك زَانٍ فَهُوَ قَذْفٌ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ مَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ بِخِلَافِ الرِّجْلِ، وَالْيَدِ، وَبِأَيِّ لُغَةٍ رَمَاهَا بِالزِّنَا، فَهُوَ قَاذِفٌ؛ لِأَنَّ مَا يَلْحَقُهَا مِنْ الْعَارِ وَالشَّنَارِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الزِّنَا لَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ الْعَرَبِيَّةِ وَالْفَارِسِيَّةِ وَإِذَا قَالَ وَجَدْتُ رَجُلًا مَعَهَا يُجَامِعُهَا لَمْ يَكُنْ قَاذِفًا؛ لِأَنَّ الْجِمَاعَ قَدْ يَكُونُ حَلَالًا وَشُبْهَةً وَبِدُونِ التَّصْرِيحِ بِالزِّنَا لَا يَكُونُ الْقَذْفُ مُوجِبًا كَمَا فِي حَقِّ الْأَجَانِبِ مَا لَمْ يُصَرِّحْ بِالزِّنَا لَا يَكُونُ مُوجِبًا لِلْحَدِّ.

(قَالَ): رَجُلٌ قَالَ لِامْرَأَتِهِ يَا زَانِيَةً فَقَالَتْ: بَلْ أَنْتِ فَإِنَّهَا تُحَدُّ لَهُ وَيُدْرَأُ اللِّعَانُ؛ لِأَنَّ مَعْنَى كَلَامِهَا لَا بَلْ أَنْتَ الزَّانِي، وَقَذْفُهَا إيَّاهُ مُوجِبٌ لِلْحَدِّ وَفِي الْبِدَايَةِ بِهِ إسْقَاطُ اللِّعَانِ؛ لِأَنَّهَا تَصِيرُ مَحْدُودَةً فِي قَذْفٍ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ مَتَى كَانَ فِي الْبِدَايَةِ بِأَحَدِ الْحَدَّيْنِ إسْقَاطُ الْآخَرِ يُبْدَأُ بِهِ، وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: لِامْرَأَتِهِ يَا زَانِي فَعَلَيْهِ اللِّعَانُ؛ لِأَنَّهُ قَاذِفٌ لَهَا وَإِنْ أَسْقَطَ الْهَاءَ مِنْ كَلَامِهِ؛ لِأَنَّ الْإِسْقَاطَ لِلتَّرْخِيمِ عَادَةَ الْعَرَبِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ يَا زَانِيَةً لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَدٌّ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْحُدُودِ، وَقَذْفُ الْأَصَمِّ امْرَأَتَهُ يُوجِبُ اللِّعَانَ؛ لِأَنَّ التَّصْرِيحَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الزِّنَا يَتَحَقَّقُ مِنْ الْأَصَمِّ بِخِلَافِ الْأَخْرَسِ وَلَوْ قَذَفَ الرَّجُلُ امْرَأَةَ رَجُلٍ فَقَالَ الزَّوْجُ: صَدَقْتَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَدٌّ، وَلَا لِعَانٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَصْرِيحٍ بِالنِّسْبَةِ لَهَا إلَى الزِّنَا فَمِنْ الْجَائِزِ أَنَّ مُرَادَهُ صَدَقْتَ، هِيَ امْرَأَتُهُ، وَهَذَا اللَّفْظُ لَا يَكُونُ قَذْفًا فِي حَقِّ الْأَجَانِبِ، فَكَذَلِكَ فِي حَقِّ الزَّوْجَةِ.

(قَالَ): وَإِنْ قَالَ يَا زَانِيَةً فَقَالَتْ زَنَيْتُ

<<  <  ج: ص:  >  >>