للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَا لِعَانٌ؛ لِأَنَّ الْقَذْفَ الثَّانِيَ كَانَ مُوجِبًا لِلِّعَانِ، وَقَدْ تَعَذَّرَ إقَامَتُهُ حِينَ صَارَ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ، وَلَوْ كَانَ مُوجِبًا لِلْحَدِّ لَا يُقَامُ إلَّا حَدٌّ وَاحِدٌ وَقَدْ أُقِيمَ ذَلِكَ بَعْدَ الْقَذْفَيْنِ.

(قَالَ): وَإِذَا قَذَفَ امْرَأَتَهُ مَرَّاتٍ فَعَلَيْهِ لِعَانٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ اللِّعَانَ فِي كَوْنِهِ مُوجِبَ قَذْفِ الزَّوْجَاتِ كَالْحَدِّ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيَّاتِ وَالْحَدُّ لَا يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الْقَذْفِ لِشَخْصٍ وَاحِدٍ.

(قَالَ): وَإِذَا قَذَفَ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، أَوْ فِي كَلِمَاتٍ مُتَفَرِّقَةٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يُلَاعِنَ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ عَلَى حِدَةٍ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَذَفَ أَجْنَبِيَّاتٍ، فَإِنَّهُ يُقَامُ عَلَيْهِ حَدٌّ وَاحِدٌ لَهُنَّ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِإِقَامَةِ حَدٍّ وَاحِدٍ وَهُوَ دَفْعُ عَارِ الزِّنَا عَنْهُنَّ وَهُنَا لَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ بِلِعَانٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ الْجَمْعُ بَيْنَهُنَّ فِي كَلِمَاتِ اللِّعَانِ فَقَدْ يَكُونُ صَادِقًا فِي بَعْضِهِنَّ دُونَ الْبَعْضِ، وَالْمَقْصُودُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُنَّ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِاللِّعَانِ مَعَ بَعْضِهِنَّ فَلِهَذَا يُلَاعِنُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُنَّ عَلَى حِدَةٍ حَتَّى لَوْ كَانَ مَحْدُودًا فِي الْقَذْفِ كَانَ عَلَيْهِ حَدٌّ وَاحِدٌ لَهُنَّ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ قَذْفِهِ لَهُنَّ الْحَدُّ هُنَا وَالْمَقْصُودُ يَحْصُلُ بِحَدٍّ وَاحِدٍ كَمَا فِي الْأَجْنَبِيَّاتِ.

(قَالَ): وَلَوْ قَذَفَ رَجُلًا فَضُرِبَ بَعْضَ الْحَدِّ ثُمَّ قَذَفَ امْرَأَةَ نَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ لِعَانٌ، وَعَلَيْهِ تَمَامُ الْحَدِّ لِذَلِكَ الرَّجُلِ؛ لِأَنَّ قَذْفَهُ إيَّاهَا مُوجِبٌ لِلِّعَانِ، فَإِنَّ بِإِقَامَةِ بَعْضِ الْحَدِّ عَلَيْهِ لَا تَبْطُلُ شَهَادَتُهُ، وَلَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ إكْمَالِ الْحَدِّ لِذَلِكَ الرَّجُلِ أَوَّلًا؛ لِأَنَّ فِي الْبِدَايَةِ بِهِ إسْقَاطُ اللِّعَانِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ فَيُبْدَأُ بِإِكْمَالِ الْحَدِّ الْأَوَّلِ لِهَذَا. وَلَوْ كَانَ قَذْفُهُ إيَّاهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مُوجِبًا لِلْحَدِّ لَمْ يَجِبْ إلَّا كَمَالُ الْحَدِّ الْأَوَّلِ، كَمَا لَوْ قَذَفَ أَجْنَبِيًّا آخَرَ.

(قَالَ): وَإِذَا قَذَفَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ بَانَتْ مِنْهُ بِطَلَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَلَا لِعَانَ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِاللِّعَانِ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا، وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ بَعْدِ الْبَيْنُونَةِ فَلَا مَعْنَى لِلِّعَانِ بَعْدَ فَوَاتِ الْمَقْصُودِ بِهِ وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ قَذْفَهُ كَانَ مُوجِبًا لِلِّعَانِ، وَالْقَذْفُ الْوَاحِدُ لَا يُوجِبُ الْحَدَّيْنِ، وَلَوْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ لَمْ يُضْرَبْ الْحَدَّ أَيْضًا لِهَذَا الْمَعْنَى بِخِلَافِ مَا لَوْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ بَعْدَمَا لَاعَنَهَا؛ لِأَنَّ وُجُوبَ اللِّعَانِ هُنَاكَ بِأَصْلِ الْقَذْفِ، وَالْحَدُّ بِكَلِمَاتِ اللِّعَانِ فَقَدْ نَسَبَهَا فِيهَا إلَى الزِّنَا وَانْتَزَعَ مَعْنَى الشَّهَادَةِ بِإِكْذَابِهِ نَفْسَهُ فَيَكُونُ هَذَا نَظِيرُ الشُّهُودِ بِالزِّنَا، فَأَمَّا هُنَا لَمْ تُوجَدْ كَلِمَاتُ اللِّعَانِ فَلِهَذَا لَا يُحَدُّ، وَإِنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ.

(قَالَ): وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا يَا زَانِيَةً كَانَ عَلَيْهِ الْحَدُّ؛ لِأَنَّهَا بَانَتْ بِالتَّطْلِيقَاتِ الثَّلَاثِ فَإِنَّمَا قَذَفَهَا بِالزِّنَا بَعْدَ الْبَيْنُونَةِ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ وَلَوْ قَالَ يَا زَانِيَةً - أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لَمْ يَلْزَمْهُ حَدٌّ وَلَا لِعَانٌ؛ لِأَنَّهُ قَذَفَهَا، وَهِيَ مَنْكُوحَةٌ، ثُمَّ أَبَانَهَا بِالتَّطْلِيقَاتِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ بَعْدَمَا قَذَفَهَا إذَا أَبَانَهَا لَمْ يَلْزَمْهُ حَدٌّ وَلَا لِعَانٌ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ ذَكَرَ كَلَامَهُ عَلَى سَبِيلِ النِّدَاءِ فَقَدْ نَسَبَهَا بِهِ إلَى الزِّنَا؛ لِأَنَّ النِّدَاءَ لِلتَّعْرِيفِ، وَتَعْرِيفُهَا بِهَذَا الْوَصْفِ نِسْبَتُهَا إلَيْهِ بِأَبْلَغِ الْجِهَاتِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>