الْكُلِّ. وَالثَّانِي - أَنَّ تَكْرَارَ اللِّعَانِ لِلتَّغْلِيظِ وَمَعْنَى التَّغْلِيظِ يَحْصُلُ بِأَكْثَرِ كَلِمَاتِ اللِّعَانِ؛ لِأَنَّهُ جَمْعٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَأَدْنَى الْجَمْعِ كَأَعْلَاهُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ، فَإِذَا اجْتَهَدَ الْقَاضِي وَأَدَّى اجْتِهَادُهُ إلَى هَذَا الْحُكْمِ نَفَذَ حُكْمُهُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا بَعْدَ لِعَانِ الزَّوْجِ قَبْلَ لِعَانِ الْمَرْأَةِ يَنْفُذُ حُكْمُهُ لِكَوْنِهِ مُجْتَهِدًا فِيهِ فَبَعْدَ مَا أَتَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأَكْثَرِ كَلِمَاتِ اللِّعَانِ أَوْلَى.
وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ قَضَاءَهُ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْفُرْقَةِ، وَمَحَلَّهَا غَيْرُ مَذْكُورٍ فِي النَّصِّ وَهَذَا الِاجْتِهَادُ فِي مَحَلِّ الْفُرْقَةِ، فَإِنَّ مَنْ أَبْطَلَ هَذَا الْقَضَاءَ يَقُولُ: لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ وَإِنْ أَتَمَّتْ الْمَرْأَةُ اللِّعَانَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ وَإِنْ أَتَمَّ الزَّوْجُ اللِّعَانَ وَإِنَّمَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ عِنْدَهُ بِلِعَانِ الزَّوْجِ، وَلَوْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا بَعْدَمَا الْتَعَنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَرَّتَيْنِ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ؛ لِأَنَّ بَقَاءَ أَكْثَرِ اللِّعَانِ كَبَقَاءِ جَمِيعِهِ فَهَذَا حُكْمٌ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الِاجْتِهَادِ، فَإِنَّ أَقَلَّ الشَّيْءِ لَا يَقُومُ مَقَامَ كَمَالِهِ.
(قَالَ): وَلَوْ فَرَغَا مِنْ اللِّعَانِ فَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَهُمَا حَتَّى مَاتَ أَحَدُهُمَا تَوَارَثَا؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ عِنْدَنَا لَا تَقَعُ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي، فَإِنَّمَا انْتَهَى النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا بِالْمَوْتِ
(قَالَ): وَلَوْ أَخْطَأَ الْقَاضِي فَأَمَرَ الْمَرْأَةَ فَبَدَأَتْ بِاللِّعَانِ ثُمَّ الْتَعَنَ الرَّجُلُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْمُرَ الْمَرْأَةَ بِإِعَادَةِ اللِّعَانِ؛ لِأَنَّهَا الْتَعَنَتْ قَبْلَ أَوَانِهِ، فَإِنَّ اللِّعَانَ مَشْرُوعٌ فِي جَانِبِهَا لِمُعَارَضَةِ لِعَانِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهَا لَا يَثْبُتُ بِلِعَانِهَا شَيْءٌ عَلَى الزَّوْجِ، وَمَا حَصَلَ قَبْلَ أَوَانِهِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ فَيَأْمُرُهَا بِاسْتِقْبَالِ اللِّعَانِ فَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهَا بِذَلِكَ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ كَمَا لَوْ الْتَعَنَ الزَّوْجُ وَلَمْ تَلْتَعِنْ الْمَرْأَةُ حَتَّى فَرَّقَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ فِي مَوْضِعِ الِاجْتِهَادِ؛ لِأَنَّ فِيمَا طَرِيقُهُ عَلَى طَرِيقِ الْمُعَارَضَةِ، لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَسْبِقَ هَذَا أَوْ ذَاكَ، وَفِي بَابِ التَّحَالُفِ لَهُ أَنْ يَبْدَأَ بِيَمِينِ أَيِّهِمَا شَاءَ؛ وَلِأَنَّهُمَا مُتَلَاعِنَانِ سَوَاءٌ بَدَأَتْ هِيَ أَوْ هُوَ وَحُكْمُهُ فِي مَوْضِعِ الِاجْتِهَادِ نَافِدٌ.
(قَالَ): وَإِذَا قَذَفَ أَجْنَبِيَّةً ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَقَذَفَهَا فَرَافَعَتْهُ فِيهِمَا جُلِدَ الْحَدَّ، وَدُرِئَ اللِّعَانُ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ قَذْفِهِ قَبْلَ التَّزَوُّجِ الْحَدُّ، وَمُوجِبَ قَذْفِهِ بَعْدَ التَّزَوُّجِ اللِّعَانُ، وَلَكِنْ مَتَى اجْتَمَعَ الْحَدَّانِ عِنْدَ الْإِمَامِ - وَفِي الْبِدَايَةِ بِأَحَدِهِمَا إسْقَاطُ الْآخَرِ - بُدِئَ بِمَا فِيهِ إسْقَاطُ الْآخَرِ احْتِيَالًا لِلدَّرْءِ، وَلَوْ بَدَأَ بِاللِّعَانِ هُنَا لَمْ يَسْقُطْ الْحَدُّ وَلَوْ بَدَأَ بِالْحَدِّ يَسْقُطُ اللِّعَانُ؛ لِأَنَّ الْمَحْدُودَ فِي الْقَذْفِ لَا يُلَاعِنُ امْرَأَتَهُ فَلِهَذَا يُبْدَأُ بِالْحَدِّ، وَلَوْ أَخَذَتْهُ بِالْآخَرِ وَتَرَكَتْ الْأَوَّلَ لَاعَنَهَا؛ لِأَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ لَا يُقَامُ إلَّا بِطَلَبِ الْمَقْذُوفِ فَإِذَا لَمْ يَطْلُبْ صَارَ الْقَذْفُ الْأَوَّلُ كَالْمَعْدُومِ فِي حَقِّ الثَّانِي وَقَدْ وُجِدَ مِنْهَا الْخُصُومَةُ فِي الثَّانِي فَيُلَاعِنُهَا فَإِنْ أَخَذَتْهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْأَوَّلِ ضُرِبَ الْحَدَّ؛ لِأَنَّ بِتَرْكِ الطَّلَبِ زَمَانًا لَا يَسْقُطُ حَقُّهَا فِي الْمُطَالَبَةِ بِحَدِّ الْقَذْفِ بَعْدَ تَقَرُّرِ الْمُوجِبِ لِحَدِّ الْقَذْفِ.
وَإِنْ بَدَأَتْ بِالْأَوَّلِ حُدَّ لَهَا فَإِنْ أَخَذَتْهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْآخَرِ لَمْ يَلْزَمْهُ حَدٌّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute