حَتَّى لَوْ ضَرَبَ إنْسَانٌ بَطْنَهَا فَلَزِمَتْهُ الْغُرَّةُ كَانَ لِلْوَالِدِ مِنْهُ الْمِيرَاثُ، وَإِذَا لَزِمَهُ نَسَبُ أَحَدِهِمَا لَزِمَهُ نَسَبُهُمَا.
(قَالَ): وَإِنْ وَلَدَتْ وَلَدًا فَنَفَاهُ وَلَاعَنَ بِهِ ثُمَّ وَلَدَتْ مِنْ الْغَدِ وَلَدًا آخَرَ لَزِمَهُ الْوَلَدَانِ جَمِيعًا، وَاللِّعَانُ مَاضٍ؛ لِأَنَّ نَسَبَ الَّذِي كَانَ فِي الْبَطْنِ لَمْ يَثْبُتُ فِيهِ حُكْمُ الْحَاكِمِ لِمَا فِيهِ مِنْ إلْزَامِ الْحُكْمِ عَلَى الْحَمْلِ، وَذَلِكَ مُمْتَنِعٌ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَوَقَّفَ عَلَى الِانْفِصَالِ فَإِذَا انْفَصَلَ كَانَ ثَابِتَ النَّسَبِ مِنْهُ، وَهُمَا تَوْأَمٌ إذْ لَيْسَ بَيْنَهُمَا مُدَّةُ حَبَلٍ تَامٍّ، وَمِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ نَسَبِ أَحَدِهِمَا ثُبُوتُ نَسَبِ الْآخَرِ، وَلِأَنَّ اعْتِبَارَ جَانِبِ الَّذِي كَانَ مُنْفَصِلًا وَقْتَ اللِّعَانِ يُوجِبُهُ نَفْيُ النَّسَبِ، وَاعْتِبَارُ جَانِبِ الْآخَرِ يَثْبُتُ النَّسَبُ، وَإِنَّمَا يُحْتَاطُ لِإِثْبَاتِ النَّسَبِ لَا لِنَفْيِهِ فَإِنْ قَالَ هُمَا ابْنَايَ كَانَ صَادِقًا، وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ نَسَبَهُمَا مِنْهُ يَثْبُتُ شَرْعًا، فَهُوَ بِهَذَا اللَّفْظِ يُخْبِرُ عَمَّا يَلْزَمُهُ شَرْعًا فَلَا يَكُونُ إكْذَابًا مِنْهُ نَفْسَهُ: تَوْضِيحُهُ أَنَّ كَلَامَهُ مُحْتَمِلٌ، يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ الْإِكْذَابَ بِدَعْوَى النَّسَبِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ الْإِخْبَارَ بِمَا لَزِمَهُ شَرْعًا، وَالْحَدُّ لَا يَجِبُ مَعَ الِاحْتِمَالِ، وَإِنْ قَالَ لَيْسَا بِابْنَيَّ كَانَا ابْنَيْهِ؛ لِأَنَّ نَسَبَهُمَا لَزِمَهُ حُكْمًا فَلَا يَمْلِكُ نَفْيَهُ، وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ بِهَذَا اللَّفْظِ كَرَّرَ الْقَذْفَ الَّذِي لَاعَنَهَا بِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ بِالتَّكْرَارِ حَدٌّ. وَلَوْ قَالَ كَذَبْتُ فِي اللِّعَانِ وَفِيمَا قَذَفْتُهَا بِهِ كَانَ عَلَيْهِ الْحَدُّ؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِإِكْذَابِهِ نَفْسَهُ وَذَلِكَ يُوجِبُ الْحَدَّ عَلَيْهِ.
(قَالَ): وَلَوْ نَفَى وَلَدَ زَوْجَةٍ مَحْدُودَةٍ، أَوْ كِتَابِيَّةٍ، أَوْ مَمْلُوكَةٍ وَالزَّوْجُ حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ كَانَ نَفْيُهُ بَاطِلًا وَيَلْزَمُ الْوَلَدُ إيَّاهُ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ قَدْ ثَبَتَ مِنْهُ بِالْفِرَاشِ فَلَا يَنْقَطِعُ إلَّا بِاللِّعَانِ وَقَدْ تَعَذَّرَ إثْبَاتٌ بَيْنَهُمَا لِانْعِدَامِ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ فِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا فَيَبْقَى النَّسَبُ ثَابِتًا مِنْهُ، وَلَا حَدَّ عَلَى الزَّوْجِ وَلَا لِعَانَ وَقَدْ أَجْمَلَ هَذَا الْجَوَابَ؛ لِأَنَّهُ فِي السُّؤَالِ ذَكَرَ الزَّوْجَ الْعَبْدَ وَالْمَرْأَةَ الْمَحْدُودَةَ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا سَبَقَ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا قَذَفَ امْرَأَتَهُ الْمَحْدُودَةَ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ فَيُحْمَلُ هَذَا الْجَوَابُ عَلَى مَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ حُرًّا مُسْلِمًا حَتَّى يَمْتَنِعَ جَرَيَانُ اللِّعَانِ مِنْ قِبَلِهَا فَحِينَئِذٍ لَا يَجِبُ الْحَدُّ، وَلَا اللِّعَانُ.
(قَالَ): وَإِذَا الْتَعَنَ الرَّجُلُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَالْتَعَنَتْ الْمَرْأَةُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ فَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا فَقَدْ أَخْطَأَ السُّنَّةَ، وَالْفُرْقَةُ جَائِزَةٌ عِنْدَنَا وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - حُكْمُهُ بِخِلَافِ السُّنَّةِ بَاطِلٌ، فَلَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ بِخِلَافِ النَّصِّ، فَإِنَّ اللِّعَانَ بِالْكِتَابِ، وَالسُّنَّةِ خَمْسُ مَرَّاتٍ وَالْحُكْمُ بِخِلَافِ النَّصِّ بَاطِلٌ كَمَا لَوْ حَكَمَ بِشَهَادَةٍ ثَلَاثَةِ نَفَرٍ فِي حَدِّ الزِّنَا أَوْ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ بِالْمَالِ.
(وَحُجَّتُنَا) فِي ذَلِكَ: أَنَّ هَذَا حُكْمٌ فِي مَوْضِعِ الِاجْتِهَادِ فَيَجُوزُ وَيَنْفُذُ كَالْحُكْمِ بِشَهَادَةِ الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ وَنَحْوِهَا وَبَيَانَهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا - أَنَّ مَا شُرِعَ مُكَرَّرًا مِنْ وَاحِدٍ فَقَدْ يُقَامُ الْأَكْثَرُ مِنْهُ مَقَامَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute