سُكْنَى، الثَّانِي - أَنَّهُ وَكَّلَ أَخَاهُ بِأَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهَا خُبْزَ الشَّعِيرِ وَلَمْ يَكُنْ الزَّوْجُ حَاضِرًا لِيَقْضِيَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ آخَرَ، فَلِهَذَا قَالَتْ: " وَلَمْ يَجْعَلْ لِي نَفَقَةً وَلَا سُكْنَى ".
وَذُكِرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ - كَرَّمَ اللَّهُ - وَجْهَهُ لَا يَحْضُرُ خُصُومَةً أَبَدًا وَكَانَ يَقُولُ: " إنَّ الشَّيْطَانَ لَيَحْضُرُهَا وَإِنَّ لَهَا قُحَمًا " الْحَدِيثُ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّحَرُّزَ عَنْ الْخُصُومَةِ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ لِمَا أَشَارَ إلَيْهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ مَوْضِعٌ لِحَضْرَةِ الشَّيْطَانِ، وَأَنَّ لِلْخُصُومَةِ قُحَمًا أَيْ مَهَالِكَ.
وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَفَى بِالْمَرْءِ إثْمًا أَنْ لَا يَزَالَ مُخَاصِمًا، قَالَ: وَكَانَ إذَا خُوصِمَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْوَالِهِ وَكَّلَ عَقِيلًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -»، وَفِيهِ جَوَازُ التَّوْكِيلِ بِالْخُصُومَةِ، وَبِظَاهِرِهِ يَسْتَدِلُّ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - فِي جَوَازِ التَّوْكِيلِ بِغَيْرِ رِضَا الْخَصْمِ؛ لِأَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَطْلُبْ رِضَا خُصُومِهِ، وَلَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ خُصُومَهُ كَانُوا يَرْضَوْنَ بِتَوْكِيلِهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ أَهْدَى إلَى طُرُقِ الْخُصُومَةِ مِنْ غَيْرِهِ لِوُفُورِ عِلْمِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ يَخْتَارُ عَقِيلًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ لِأَنَّهُ كَانَ ذَكِيًّا حَاضِرَ الْجَوَابِ، حَتَّى حُكِيَ أَنَّ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اسْتَقْبَلَهُ يَوْمًا وَمَعَهُ عَنْزٌ لَهُ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى سَبِيلِ الدُّعَابَةِ: أَحَدُ الثَّلَاثَةِ أَحْمَقُ، فَقَالَ عَقِيلٌ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَمَّا أَنَا وَعَنْزِي فَعَاقِلَانِ، قَالَ فَلَمَّا كَبِرَ سِنُّ عَقِيلٍ وَكَّلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ، إمَّا أَنَّهُ وَقَّرَهُ لِكِبَرِهِ، أَوْ لِأَنَّهُ انْتَقَصَ ذِهْنُهُ فَكَانَ يُوَكِّلُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَكَانَ ذَكِيًّا شَابًّا، وَقَالَ: " هُوَ وَكِيلِي فَمَا قُضِيَ عَلَيْهِ فَهُوَ عَلَيَّ، وَمَا قُضِيَ لَهُ فَهُوَ لِي ".
وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْوَكِيلَ يَقُومُ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ، وَأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ الْقَضَاءِ عَلَى الْمُوَكِّلِ، قَالَ فَخَاصَمَنِي طَلْحَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي ضَفِيرٍ أَحْدَثَهُ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَيْنَ أَرْضِ طَلْحَةَ وَأَرْضِ نَفْسِهِ، وَالضَّفِيرُ: الْمُسَنَّاةُ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَخْتَصِمُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَلَا نَظُنُّ بِوَاحِدٍ مِنْهُمْ سِوَى الْجَمِيلِ، لَكِنْ كَانَ يُسْتَبْهَمُ عَلَيْهِمْ الْحُكْمُ فَيَخْتَصِمُونَ إلَى الْحَاكِمِ لِيُبَيِّنَهُ لَهُمْ، وَلِهَذَا كَانُوا يُسَمُّونَ الْحَاكِمَ فِيهِمْ: الْمُفْتِيَ، فَوَقَعَ عِنْدَ طَلْحَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ عَلِيًّا - كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ - أَضَرَّ بِهِ وَحَمَلَ عَلَيْهِ السَّيْلَ، وَلَمْ يَرَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي ذَلِكَ ضَرَرًا حِينَ أَحْدَثَهُ، قَالَ: فَوَعَدَنَا عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْ يَرْكَبَ مَعَنَا فَيَنْظُرَ إلَيْهِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ فِيمَا تَفَاقَمَ مِنْ الْأَمْرِ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يُبَاشِرَهُ بِنَفْسِهِ، وَأَنْ يَرْكَبَ إنْ احْتَاجَ إلَى ذَلِكَ، فَقَالَ: وَاَللَّهِ إنِّي وَطَلْحَةَ نَخْتَصِمُ فِي الْمَوَاكِبِ، وَإِنَّ مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى بَغْلَةٍ شَهْبَاءَ أَمَامَ الْمَوْكِبِ قَدْ قَدِمَ قَبْلَ ذَلِكَ وَافِدًا، فَأَلْقَى كَلِمَةً عَرَفْتُ أَنَّهُ أَعَانَنِي بِهَا، قَالَ: أَرَأَيْتُ هَذَا الضَّفِيرَ كَانَ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؟، قَالَ: قُلْت نَعَمْ، قَالَ: لَوْ كَانَ جَوْرًا مَا تَرَكَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَفِي هَذَا بَيَانٌ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي أَوَّلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute