- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا بَأْسَ إذَا افْتَرَقْتُمَا، وَلَيْسَ بَيْنَكُمَا عَمَلٌ»، وَإِذَا ثَبَتَ جَوَازُ الِاسْتِبْدَالِ بِالثَّمَنِ قَبْلَ الْقَبْضِ ثَبَتَ أَنَّ فَوَاتَ التَّسْلِيمِ فِيهِ لَا يُبْطِلُ الْعَقْدَ؛ لِأَنَّ فِي الِاسْتِبْدَالِ تَفْوِيتَ التَّسْلِيمِ فِيمَا اُسْتُحِقَّ بِالْعَقْدِ، وَبِهَذَا ثَبَتَ أَنَّ مِلْكَهُ عِنْدَ الْعَقْدِ لَيْسَ بِشَرْطٍ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْمِلْكِ عِنْدَ الْعَقْدِ إمَّا لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ، وَالثَّمَنُ دَيْنٌ فِي الذِّمَّةِ، أَوْ لِلْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ، وَلَا أَثَرَ لِلْعَجْزِ عَنْ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ فِي الْعَقْدِ، وَالْحُكْمُ الَّذِي يَخْتَصُّ بِهِ الصَّرْفُ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْبُيُوعِ وُجُوبُ قَبْضِ الْبَدَلَيْنِ فِي الْمَجْلِسِ، وَأَنَّهُ لَا يَكُونُ فِيهِ شَرْطُ خِيَارٍ، أَوْ أَجَلٍ، وَذَلِكَ ثَابِتٌ بِالْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيْنَاهُ فَإِنَّهُ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا بَأْسَ إذَا افْتَرَقْتُمَا وَلَيْسَ بَيْنَكُمَا عَمَلٌ» أَيْ مُطَالَبَةٌ بِالتَّسْلِيمِ؛ لِوُجُودِ الْقَبْضِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَلِأَنَّ هَذَا الْعَقْدَ اُخْتُصَّ بِاسْمٍ فَيُخْتَصُّ بِحُكْمٍ يَقْتَضِيهِ ذَلِكَ الِاسْمُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ صَرْفَ مَا فِي مِلْكِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِمِلْكِ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ يَجِبُ ابْتِدَاءً بِهَذَا الْعَقْدِ لَا أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَبْلَهُ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ ثَابِتٌ فِي سَائِرِ الْبُيُوعِ عَرَفْنَا أَنَّهُ يُسَمَّى صَرْفًا لِمَا فِيهِ مِنْ صَرْفِ مَا فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى يَدِ صَاحِبِهِ، وَلَمْ يُسَمَّ بِهِ لِوُجُوبِ التَّسْلِيمِ مُطْلَقًا لِأَنَّ ذَلِكَ يَثْبُتُ فِي سَائِرِ الْبُيُوعِ عَرَفْنَا أَنَّهُ إنَّمَا سُمِّيَ بِهِ لِاسْتِحْقَاقِ قَبْضِ الْبَدَلَيْنِ فِي الْمَجْلِسِ، وَلِأَنَّ هَذَا الْعَقْدَ مُبَادَلَةُ الثَّمَنِ بِالثَّمَنِ، وَالثَّمَنُ يُثْبِتُ بِالْعَقْدِ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ، وَالدَّيْنُ بِالدَّيْنِ حَرَامٌ فِي الشَّرْعِ لِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ فَمَا يَحْصُلُ بِهِ التَّعْيِينُ، وَهُوَ الْقَبْضُ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي هَذَا الْعَقْدِ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُشْتَرَطَ مَقْرُونًا بِالْعَقْدِ؛ لِأَنَّ حَالَةَ الْمَجْلِسِ تُقَامُ مَقَامَ حَالَةِ الْعَقْدِ شَرْعًا لِلتَّيْسِيرِ.
وَإِذَا وُجِدَ التَّعْيِينُ بِالْقَبْضِ فِي الْمَجْلِسِ يُجْعَلُ ذَلِكَ كَالْمَوْجُودِ عِنْدَ الْعَقْدِ، وَلَيْسَ أَحَدُ الْبَدَلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَشَرَطْنَا الْقَبْضَ فِيهِمَا لِهَذَا الْمَعْنَى، وَلَسْنَا نَعْنِي بِالْمَجْلِسِ مَوْضِعَ جُلُوسِهِمَا بَلْ الْمُعْتَبَرُ وُجُودُ الْقَبْضِ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى لَوْ قَامَا أَوْ مَشَيَا فَرْسَخًا، ثُمَّ تَقَابَضَا قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا أَيْ يُفَارِقَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ حَالَ الْعَقْدِ، وَكَذَلِكَ لَوْ نَامَا فِي الْمَجْلِسِ، أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِمَا، ثُمَّ تَقَابَضَا قَبْلَ الِافْتِرَاقِ. رَوَى ذَلِكَ بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ شَرْطُ الْخِيَارِ فِي هَذَا الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ بِعَدَمِ الْمِلْكِ فَيَكُونُ أَكْثَرَ تَأْثِيرًا مِنْ عَدَمِ الْقَبْضِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ. وَبِشَرْطِ الْخِيَارِ يَمْتَنِعُ اسْتِحْقَاقُ مَا بِهِ يَحْصُلُ التَّعْيِينُ، وَهُوَ الْقَبْضُ مَا بَقِيَ الْخِيَارُ، وَكَذَلِكَ شَرْطُ الْأَجَلِ يَنْعَدِمُ اسْتِحْقَاقُ الْقَبْضِ الَّذِي يَثْبُتُ بِهِ التَّعْيِينُ فَلِهَذَا كَانَ مُبْطِلًا لِهَذَا الْعَقْدِ، وَقَدْ دَلَّ مَا قُلْنَا عَلَى الْأَخْبَارِ الَّتِي بُدِئَ الْكِتَابُ بِهَا، فَمِنْهَا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَزْنٌ بِوَزْنٍ يَدٌ بِيَدٍ، وَالْفَضْلُ رِبًا» إلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute