للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

آخِرِهِ، وَقَدْ بَدَأَ بِهَذَا الْحَدِيثِ كِتَابُ الْبُيُوعِ، وَبَيَّنَّا تَمَامَ شَرْحِهِ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ، وَمِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: أُتِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِإِنَاءٍ خُسْرَوَانِيٍّ قَدْ أُحْكِمَتْ صَنْعَتُهُ فَبَعَثَنِي بِهِ لِأَبِيعَهُ فَأُعْطِيت بِهِ وَزْنَهُ وَزِيَادَةً، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ: أَمَّا الزِّيَادَةُ، فَلَا. وَهَذَا الْإِنَاءُ كَانَ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ

وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا قِيمَةَ لِلصَّنْعَةِ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِجِنْسِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهَا، وَمَا كَانَ مَالًا مُتَقَوِّمًا شَرْعًا فَالِاعْتِيَاضُ عَنْهُ جَائِزٌ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يُجَوِّزْ؛ لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لِلصَّنْعَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ شَرْعًا كَمَا لَا قِيمَةَ لِلصَّنْعَةِ فِي الْمَعَازِفِ، وَالْمَلَاهِي شَرْعًا، وَفِيهِ دَلِيلٌ أَنَّ الذَّهَبَ، وَالْفِضَّةَ بِالصَّنْعَةِ لَا تَخْرُجُ مِنْ أَنْ تَكُونَ وَزْنِيَّةً، وَإِنْ اعْتَادَ النَّاسُ بَيْعَهَا بِغَيْرِ وَزْنٍ بِخِلَافِ سَائِرِ الْمَوْزُونَاتِ؛ لِأَنَّ صَنْعَةَ الْوَزْنِ فِيهَا ثَابِتَةٌ بِالنَّصِّ، فَلَا تَتَغَيَّرُ بِالْعُرْفِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَشْيَاءِ، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ ابْنُ سِيرِينَ حِينَ سُئِلَ عَنْ بَيْعِ إنَاءٍ مِنْ حَدِيدٍ بِإِنَاءَيْنِ فَقَالَ قَدْ كَانُوا يَبِيعُونَ الدِّرْعَ بِالْأَدْرُعِ يَعْنِي أَنَّ مَا لَا يَعْتَادُ النَّاسُ وَزْنَهُ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ لَا يَكُونُ مَوْزُونًا، ثُمَّ ذَلِكَ الْإِنَاءُ كَانَ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَإِنَّمَا قَصَدَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِبَيْعِهِ أَنْ يَصْرِفَ الثَّمَنَ إلَى حَاجَةِ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ وَكَّلَ بِهِ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ التَّوْكِيلِ بِالصَّرْفِ.

وَعَنْ أَبِي جَبَلَةَ قَالَ سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَقُلْت: إنَّا نَقْدَمُ أَرْضَ الشَّامِ وَمَعَنَا الْوَرِقُ الثِّقَالُ النَّافِقَةُ، وَعِنْدَهُمْ الْوَرِقُ الْخِفَافُ الْكَاسِدَةُ أَفَنَبْتَاعُ وَرِقَهُمْ الْعَشَرَةَ بِتِسْعَةٍ وَنِصْفٍ؟ فَقَالَ: لَا تَفْعَلْ، وَلَكِنْ بِعْ، وَرِقَك بِذَهَبٍ، وَاشْتَرِ وَرِقَهُمْ بِالذَّهَبِ، وَلَا تُفَارِقْهُ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ، وَإِنْ وَثَبَ مِنْ سَطْحٍ فَثِبْ مَعَهُ، وَفِيهِ دَلِيلُ رُجُوعِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ قَوْلِهِ فِي جَوَازِ التَّفَاضُلِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لِلْجَوْدَةِ فِي النُّقُودِ، وَأَنَّ الْمُفْتِيَ إذَا تَبَيَّنَ جَوَابَ مَا سُئِلَ عَنْهُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُبَيِّنَ لِلسَّائِلِ الطَّرِيقَ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ مَقْصُودُهُ مَعَ التَّحَرُّزِ عَنْ الْحَرَامِ، وَلَا يَكُونُ هَذَا مِمَّا هُوَ مَذْمُومٌ مِنْ تَعْلِيمِ الْحِيَلِ بَلْ هُوَ اقْتِدَاءٌ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيْثُ «قَالَ لِعَامِلِ خَيْبَرَ: هَلَّا بِعْت تَمْرَك بِسِلْعَةٍ، ثُمَّ اشْتَرَيْت بِسِلْعَتِك هَذَا التَّمْرَ»، وَفِيهِ دَلِيلٌ أَنَّ الْقَلِيلَ مِنْ الْفَضْلِ، وَالْكَثِيرَ فِي كَوْنِهِ رِبًا سَوَاءٌ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَالْفَضْلُ رِبًا، وَأَنَّ التَّقَابُضَ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ فِي الصَّرْفِ مُسْتَحَقٌّ، وَأَنَّ الْقِيَامَ عَنْ الْمَجْلِسِ مِنْ غَيْرِ افْتِرَاقٍ لَا يَمْنَعُ بَقَاءَ الْعَقْدِ فَإِنَّهُ قَالَ: وَإِنْ وَثَبَ مِنْ سَطْحٍ فَثِبْ مَعَهُ؛ لِلتَّحَرُّزِ عَنْ مُفَارَقَةِ أَحَدِهِمَا صَاحِبَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَعَلَيْهِ دَلَّ حَدِيثُ كُلَيْبِ بْنِ وَائِلٍ قَالَ: سَأَلْت ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عَنْ الصَّرْفِ فَقَالَ: مِنْ هَذِهِ إلَى هَذِهِ يَعْنِي مِنْ يَدِك إلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>